عَهْدِي به مَيْتاً كأحسنِ نائمٍ ... والطرف يَسْفَحُ أدمعي في نَحْرهِِ
غُصَصٌ تكادُ تَفٍيضُ منها نَفْسُهُ ... ويكاد يخرج قَلْبَهُ مِنْ صَدْرهِ
لو كانَ يَدْرِي الميتُ ماذا بَعْدَهُ ... بالحَيِّ منهُ بَكى لهُ في قَبرهِ
فأي رقاعة أعظم من هذه الرقاعة، وأي خلاعة تشبه هذه الخلاعة، والجنون فنون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكان دِيكُ الجنِّ هذا ماجناً خليعاً ظريفاً مطبوعاً مغفلاً رقيعاً، عاكفاً على القَصْف واللهو، رافلاً في ثياب المجون والزهو، متلافاً لما يحصله (من المال)، وشعره في غاية الجودة والكمال، ولُقِّب بديك الجنّ لأنه كان يصبغ لحيته وشاربه وحاجبه بألوان مختلفة، ومات سنة خمسٍ أو ستٍ وثلاثين ومائتين.
وقد رأيت أنا بجامع حِمْص منبراً معظماً قديماً حسناً مطعماً، وكأنه تخلخل وتضعضع، وتقلقل وتقنع، فسمرت بعرضه دفة بيضاء ثقيلة خشنة عريضة طويلة غير مجلوة ولا مصقولة، وهذا من قبيل ما سردناه، ومن جنس ما أوردناه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
(رجع) فلما أن دعى مؤذن حِمْص من المسلمين لصلاة الظهر وأذّن، أجبناه