أما بعد: فلقد مَنَّ الله تعالى على هذه الأمة ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- هاديًا للبشرية ومعلمًا، فأتَمَّ الله به النعمة، وأكمل به الذين.

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (?).

فبَلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، -صلى الله عليه وسلم-، ومَكَثَ بين صحابته منذ بعثته إلى أن اختاره الله يعلمهم أمور دينهم بالقول، والفعل، والتقرير، والشمائل والصفات التي عزَّ لها النظير. والصحابة ينقلون سنته نقلًا حيًا دقيقًا واعيًا، حرصوا فيه على نقاء المصدر الثاني من مصادر التشريع الإِسلامي.

ثم توالى نقل السنة، وشُرع في تدوينها الفعلي في نهاية المائة الأولى، وتتابعت الجهود في التدوين، وكثر في القرن الثاني والثالث فما بعد، حتى لم تنقضِ المائة الخامسة إلَّا وقد أُثبت الكثير بما نُقل من السنة.

ولم يسلك في هذه المدونات مسلكًا واحدًا، بل كانت تتفاوت في الحجم، والشرط وطريقة التصنيف وهيئته تبعًا لِتَنَوُّع الأغراض.

فكان التصنيف على طريقة: الجوامع، والسنن، والمسانيد، والأجزاء الحديثية، والفوائد، وا لأمالي، والمَشْيخات، والمعاجم، والأطراف، والمستدركات، والمستخرجات، وغيرها.

وفي منتصف القرن الثامن تقريبًا، ظهر التصنيف على طريقة الزوائد. والمتأمل لنماذج بما صُنف على الطرق السابقة: يدرك كم عانى مصنفوها، وكم لاقوا من المشاق، وَتكبَّدُوا من المصاعب في سبيل إثبات ما فيها، وظهوره بالصورة التي استقر عليها، على تفاوت في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015