ما قصد حتى أمّلك، وما أمّلك حتّى أجال النظر، وأمن الخطر، وأيقن بالظفر. فحقّق أمله بتهيئة التعجُّل، فإن الشاعر يقول:
إذا ما اجتلاه المجدُ عن وعد آمل ... تبلَّج عن نُجحٍ ليستكمل الشُّكرا
ولم يثنِه مطلُ العِدات عن التي ... يجوزُ بها الحمدَ الموفَّر والأجرا
فأمر أبو عبيد الله بإحضار جائزته فقال الأعرابي للفتى: خذها، فأنت سببها. فقال الفتى: شكرك أحبّ إليّ منها. فقال أبو عبيد الله للأعرابي: خذها فقد أمرت للكاتب بمثلها. فقال الأعرابي: الآن كمّلت النّعمة، وتمّمت المنّة، أحسن الله جزاءك، وأدام نعماءك.
وقال أبو عبيد الله لرجل تحمّل عليه بشفعاء: لولا أنّ حقَّك لا يضاع لحجبتُ عنك حسنَ نظري أتظنّني أجهلُ الإحسانَ حتّى أعلّمه، ولا أعرف موضع المعروف حتى أعرفه. لو كان لا ينال ما عندي إلاّ بغيري لكنت بمنزلة البعير الذّلول، عليه الحمل الثقيل، إن قيد انقاد، وإن أنيخ ترك لا يملك من نفسه شيئاً.