قلنا: قسم أرض خيبر وترك قسم أرض مكة كلاهما لا نزاع فيه، وهو يكفي لمحل الشاهد.
فإن قيل: مكة فتحت صلحًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن"، ومن أغلق بابه فهو آمن"، كما هو ثابت في "صحيح مسلم".
قلنا: إن التحقيق أن مكة فتحت عنوة لا صلحًا، ولذلك أدلة واضحة منها: أنه لم ينقل أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أهلها زمن الفتح، وإنما جاءه أبو سفيان فأعطاه الأمان، ولوكانت قد فُتِحت صلحًا لم يقل: من دخل داره أو أغلق بابه، أو دخل المسجد فهو آمن، فإن الصلح يقتضي الأمان العام.
ومنها: حديث: "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وأنه أذن لي فيها ساعة من نهار". وفي لفظ: "إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار". وفي لفظ: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس".
ومنها: أنه ثبت في الصحيح أنه يوم فتح مكة جعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ثم قال: "يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار" فجاؤوا يهرولون، فقال: "يا معشر الأنصار هل ترون إلى أوباش قريش"؟ قالوا: نعم. قال: "انظروا إذا لقيتموهم غدًا أن