من قواعد الشريعة ما مأخذه وما المراد به، وفي أي جهة يشترط التقارب؟ أفي مجرد المصلحة، أم في وجه آخر أقرب من ذلك؟ .
فإن اكتفى بمجرد التقارب في المصلحة لزمه إعمال جميع المصالح، وإن اشترط الاشتراك في الوجه الأخص فهو المؤثر بعينه، وبين الدرجتين رتب في القرب والبعد لا تنضبط بحال. وقد أطال الكلام في المسألة ورد على القاضي والإمام فيما قالاه، وقال: إذا نظر المنصف في أقضية الصحابة -رضي الله عنهم- يتبين له أنهم كانوا يتعلقون بالمصالح في وجوه الرأي ما لم يدلَّ الدليلُ على إلغاء تلك المصلحة. قال: وهو أمر مقطوع به عن الصحابة، ونحوه للقرافي، وقد عدد كثيرًا من وقائع الصحابة التي اعتمدوا فيها على مطلق المصلحة من غير أصل تُبْنى عليه، وقال: إن مجموع ذلك يفيد القطع" انتهى محل الغرض منه.
وقال في نفس المبحث المذكور: وقال القرافي في "شرح المحصول": "يحكى أن المصالح المرسلة من خصائص مذهب مالك، وليس كذلك، بل اشترك فيها جميع المذاهب، فإنهم يعللون ويفرقون في صور النقوض وغيرها، ولا يطالبون أنفسهم بأصل يشهد لذلك الفارق بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المصلحة، ثم إن الشافعية يدَّعون أنهم أبعد الناس عنها، وهم قد أخذوا منها بأوفر نصيب حتى تجاوزوا فيها.
هذا إمام الحرمين -قَيِّمُ مَذْهَبهم- ضمَّنَ بعضَ كتبه أمورًا من المصالح لم يوجد لها في الشرع أَصل يشهد لخصوصها، وكذا فعل