يتخلف، وموافقة جميع الصحابة على ذلك من غير نكير لمجرد المصلحة المرسلة، مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتفقد كعب بن مالك ولم يعلم بتخلُّفِه حتى وصل تبوك، ونحو ذلك من الوقائع التي ذكروا والتي لم يذكروها حجة ظاهرة لمالك فيما شابهها.
واعلم أن العلماء غير مالك اختلفوا في العمل بالمصلحة المرسلة.
قال ابن السبكي في "جمع الجوامع" في مبحث تقسيم المناسب الذي ذكرنا إلى مؤثِّر وملائم وغريب ومرسل ما نصه: "فإن دل الدليل على إلغائه فلا يُعَلَّل به، وإلا فهو المرسل قبله مالك مطلقًا، وكاد إمام الحرمين يوافقه مع مناداته عليه بالنكير، ورده الأكثر مطلقًا، وقوم في العبادات ... " الخ.
وقال شارحه صاحب "الضياء اللامع": "وما لم يشهد له الشرع باعتبار ولا إهدار، ولكنه على سنن المصالح وتتلقاه العقول بالقبول فهو المرسل، واختلف في العمل به على مذاهب:
أحدها: رَدُّه، وبه قال القاضي أبو بكر، والشافعي في أحد قوليه، وعزاه المصنف -يعني ابن السُّبكي- إلى الأكثر.
الثاني: اعتباره مطلقًا، وبه قال مالك وحكاه القرافيُّ في "شرح المحصول" عن معظم الحنفية، وهو أحد قولي الشافعي، وقد قال الأبياري: ما ذهب إليه الشافعي هو عين مذهب مالك، وقد رام الإمام -يعني إمام الحرمين- التفريق بين المذهبين ولا يجد إلى ذلك سبيلًا أبدًا، ثم يقال له: ما ذكرته من التقييد لقول الشافعي من التقريب