قلتُ: وقد ثبت في "صحيح مسلم" ما لفظه: "فانتهرها بعضُ أصحابه فقال: أصدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" الحديث، وبريرة مسلمة، وانتهارها من غير ذنب أذىً لها بلا موجب، وأذى المسلم حرام، وكان مستند من انتهرها هو مطلق المصلحة المرسلة، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو تقرير منه للعمل بالمصلحة المرسلة في الجملة.
واحتجَّ مالكٌ للعمل بالمصالح المرسلة بأن الصحابة كانوا يعملون بها من غير أن يخالف منهم أحد. قال علماء المالكية: ومن أمثلة ذلك: نَقْط المصحف، وشكله، وكتابته، لأجل حفظه في الأوليين من التصحيف، وفي الثالث من الذهاب والنسيان.
قالوا: ومن أمثلة ذلك حَرْق عثمان - رضي الله عنه - للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف.
قالوا: ومن أمثلته تولية أبي بكر لعمر؛ لأنه لا مستند له فيها إلا المصلحة المرسلة على التحقيق، وقول بعضهم: إنه من القياس، خلاف الظاهر، يعنون قياس العهد على العقد.
قالوا: ومنه تَرْك عمر الخلافة شورى بين ستة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو عنهم راض.
قالوا: ومن أمثلة ذلك هَدْم عثمان وغيره الدور المجاورة للمسجد عند ضيق المسجد لأجل مصلحة توسعته.
قالوا: ومن أمثلة ذلك زيادة عثمان لأحد الأذانين في الجمعة لكثرة الناس.