أما دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين، وأنه يجيز قطع الأعضاء في التعزيرات؛ فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك، ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيءٍ من كتب مذهبه كما حققه القرافي، ومحمد بن الحسن البنَّاني وغيرهما، وقد درسنا مذهب مالك زمنًا طويلًا، وعرفنا أن تلك الدعوى باطلة.
أما حكمه بضرب المتهم ليقر بالسرقة، فهو صحيح عن مالك كما عقده ابن عاصم في تحفته بقوله:
وإن تكن دعوى على من يتهم ... فمالك بالسجن والضرب حكم
ومالك لا يجيز ضرب المتهم إلا إذا ثبتت عليه الخيانة قبل ذلك ثبوتًا لا مطعن فيه فثبوت كونه خائنًا رجح عنده طرف الاحتياط للمال ليقر به أما الذي لم تثبت عليه الخيانة سابقًا، فلم يقل بضربه ليقر.
وثبوت الخيانة له أثره في الشرع، فمن قذف من ثبتَ عليها الزنا لا يُحَدُّ بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ... } [النور / 4] فمفهوم قوله تعالى: {الْمُحْصَنَاتِ} أن الذين يرمون غير المحصنات لا تثبت عليهم تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً .. } [النور / 4] الآية. قالوا: وفي بعض الروايات لحديث الإفك: أن عليًّا ضربَ بريرة لتخبر بالحقيقة عن عائشة، وضَرْبُه لها مصلحة مرسلة، ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم -.
وذكر ابنُ حجر أن رواية الضَّرْب المذكورة جاءت من رواية أبي أوس وابن إسحاق.