وإن كانت إناطةُ الحكم به لا تتضمَّنُ مصلحة بالذات ولكنها تستلزمها بالتبع، فذلك الوصف هو الجامع بين الأصل والفرع في نوع القياس المسمى بقياس الشبه، على ما حرره جماعةٌ من الأصوليين، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والقرافي، وزادوا على ما ذكر كون الشرع قد شهد بتأثير جنس ذلك الوصف القريب في جنس ذلك الحكم القريب، يعنون أنه لا يُكْتَفَى بالجنس البعيد في ذلك.
ومثاله قولهم: الخل مائع لا تُبنى على جنسه القنطرة، ولا يُصاد من جنسه السمك، فلا تصح الطهارة به قياسًا على الدهن. فقولهم: لا تبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك، ليس مناسبًا في ذاته؛ لأن عدم بناء القنطرة عليه وعدم صيد السمك منه بالنظر إلى ذات تلك الأوصاف، فهي أوصافٌ طردية بالنسبة إلى الطهارة وعدمها، ولكنها مستلزمة للمناسب.
قال القرافي في "شرح التنقيح": "فإن العادة أن القنطرة لا تُبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار، فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة، فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود، ، أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيد عن القواعد، فصار قولهم: لا تُبنى القنطرة على جنسه ولا يصاد من جنسه السمك، ليس بمناسب، وهو مستلزم للمناسب. وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة، بدليل أن الماء إذا قل واشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر به وينتقل إلى التيمم". بواسطة نقل "نشر البنود".