وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار، وتسمى: "المرسل"، و"المصالح المرسلة"، و"الاستصلاح"، وسيأتي إن شاء الله كلام أهل العلم فيها.
اعلم أولا أن بعض العلماء شنع على مالك بن أنس رحمه الله في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعاً شديداً، كأبي المعالي الجويني ومن وافقه فعابوا مالكاً بأنه يحكم بضرب المتهم ليقر بالسرقة مثلاً، وقالوا: لا شك أن ترك مذنب أهون من إهانة برئ، وزعموا أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يبيح قطع الأعضاء في التعزيرات، وقال بعضهم العمل بالمصالح المرسلة تشريع جديد لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نص خاص من كتاب أو سنة وسنذكر أولا حجة مالك المتضمنة الجواب عما قيل عنه، ثم نذكر بعد ذلك ما يحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة وموقف أهل المذاهب وأصحابهم منها. أما دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يجيز قطع الأعضاء في التعزيرات فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيء من كتب مذهبه كما حققه القرافي، ومحمد بن الحسن البناني وغيرهما، وقد درسنا مذهب مالك زمناً طويلاً وعرفنا أن تلك الدعوى باطلة.
أما حكمه بضرب المتهم ليقر بالسرقة فهو صحيح عن مالك كما عقده ابن عاصم في تحفته بقوله:
وإن تكن دعوى على من يتهم ... فمالك بالسجن والضرب حكم
ومالك لا يجيز ضرب المتهم إلا إذا ثبتت عليه الخيانة قبل ذلك ثبوتاً لا مطعن فيه فثبوت كونه خائناً رجح عنده طرف الاحتياط للمال ليقر به، أما الذي لم يثبت عليه الخيانة سابقاً فلم يقل بضربه ليقر.
وثبوت الخيانة له أثره في الشرع، فمن قذف من ثبت عليها الزنا لا يُحد بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} .. فمفهوم