كثيرًا ما ينتخب العالم كتابًا أو كتبًا في فنون العلم، ويُدْمن على قراءتها وإقرائها لطلابه، ويكون هو قبل ذلك قد أخذه عن شيوخه وتمرَّس فيه وخَبَرَه، بحيث لا تخفى عليه جمهور مسائله، وغالب غوامضه ومشكلاته، فيكون هو المرجع وعليه المعوَّل في حلِّ ذلك.
بل قد يبلغ الأمر إلى أن يُلَقَّب العالم بذلك الكتاب، كما وقع للشيخ الفقيه جمال الدين أحمد بن محمد الواسطي الأُشْمُومي الشافعي ت (729) ، فقد لُقِّب بـ ((الوجيزي)) لحفظه كتاب ((الوجيز)) (?) وعنايته به (?) ، كما لُقِّب الإمام الزركشي (795) بـ ((المنهاجي)) (?) نِسبةً إلى ((منهاج الطالبين)) للإمام النووي، لعنايته به وإتقانه له فهمًا وشرحًا.
وقد وقع للعلماء من ذلك شيءٌ كثير، وهو دالٌّ على صَبْرهم في نشر العلم وتعليم الناس، ودالٌّ -أيضًا- على أهمية هذه الطريقة (أعني المداومة على كتابٍ بعينه) في ترسيخ العلم، واستحضار مسائل الفنّ، وعدم تشتت الذهن، وهو مع ذلك دائم المطالعة في الفن مضيف إليه