وقد ألَّف الخطيبُ كتابه ((الرحلة في طلب الحديث)) فيمن رحل في طلب حديث واحد.
وهكذا كان ذلك الجيل الفريد قدوة لمن بعدهم، في عكوفهم على العلم، وطلبهم للاستزادة منه، فاحتذوا حذوهم، واقتفوا أثرهم، وشواهد ذلك ماثلة:
فهؤلاء تلاميذ ابن مسعود -رضي الله عنه- في الكوفة -علقمة والأسود وغيرهم- كانوا إذا سمعوا الحديث والعلم من شيخهم، لم يشف ذلك مافي صدورهم من النهمة، فيرحلون إلى المدينة طَلبًا للعلوِّ وزيادة في التثبت، وإمعانًا في الطلب والتلقي من أفواه العلماء (?) .
قال يحيى بن سعيد القطان (?) : ما رأيتُ أحفظَ منه (أي: سفيان الثوري 161) كنتُ إلا سألته عن مسألةٍ أو عن حديثٍ ليس عنده، اشتدَّ عليه.
فلم يقف العلماء في طلبهم عند حدٍّ محدود، بل استوعبوا قدر الاستطاعة والطاقة، فضربوا بذلك أعجبَ الأمثلة، وأغربَ السِّيَر.
قال الأعمش (?) : كان مجاهد (104) لا يسمع بأُعجوبة إلا ذهب لينظر إليها! ذهب إلى حَضْرَمَوْت ليرى بئر برهوت، وذهب إلى بابل