فالولايات المتحدة تعاملت مع الشرق الأوسط وستظل تتعامل معه لاحقاً كونه يمثل لها كتلة سكانية وازنة على مستوى العالم من جهة، وكتلة سوقية استهلاكية لمنتجاتها وشركاتها من جهة أخرى.
إذن: فالمشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير يفتقر إلى البراءة، فهو لا يستهدف تلبية حاجاتنا الوطنية والقومية في الإصلاح والتطوير، وهي حاجات باتت أكثر من ضرورية، وإنما يستهدف أولاً وأخيراً، صياغة شرق أوسط أميركي ينسجم مع أهداف -مشروع القرن الأميركي الجديد-، وهو قرن الأحادية الأميركية في عصر العولمة المنتصرة في التاريخ والساعية إلى تنميط العالم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً وفقاً لقيم ومعايير الرأسمالية الأميركية خصوصاً والغربية عموماً.
إن العقل الأميركي في عصر العولمة، يسعى إلى إعادة صياغة الشعوب الشرق أوسطية والعربية منها بوجه الخصوص، بحيث تتلبس أفكار وأنماط سلوك النموذج الأميركي الغربي، الأمر الذي ينتهي بإخضاع الشعوب المذكورة ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، وإنما حضارياً وسلوكياً أيضاً.
أما تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير فهو نقطة الارتكاز في السياسة الاستراتيجية الأميركية التي كانت خطوتها التأسيسية الأولى احتلال العراق وتقديمه كنموذج يجري تعميمه على سائر بلدان الشرق الأوسط، كل ذلك وفق مخطط هجومي أميركي يشكل خروجاً على مستويات ثلاثة:
أولاً: خروج على الدولة الأميركية السيادية نفسها، فالإمبريالية الأميركية بشركاتها العملاقة باتت تضع نفسها فوق الدولة الأميركية وقوانينها (توظيف الدولة لصالح الشركات). وهنا تكون أميركا في عصر العولمة قد خرجت عملياً عن دولة -كينز- ونظرية الدولة الكينزية التي جاء بها كينز في مطالع ثلاثينيات القرن العشرين. فالآن باتت الشركة العملاقة فوق الدولة كحالة قانونية أو دستورية أو سيادية.
ثانياً: الخروج على القانون الدولي الذي مانع إسقاط أي نظام سياسي بالقوة العسكرية والاحتلال العسكري المباشر. فاحتلال العراق لا يستند إلى أي مبرر أو مسوغ قانوني يتيح لأميركا أن تلغي استقلال هذا البلد وسيادته الوطنية وتستأثر بثرواته الطبيعية.