عن المكروه حيث يزيده الإغضاء في أعين الناس رفعه ومهابة فالعفو إسقاط حقك جوداً وكرماً وإحساناً مع قدرتك على الانتقام فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزاً وخوفاً ومهانة نفس وهو غير محمود بل لعل المنتقم بالحق أحسن حالاً منه.
والتنبيه الثاني عن معنى المداراة , فالمداراة ترجع إلى حسن اللقاء ولين الكلام وتجنب ما يُشعر ببغض أو غضب أو استنكار إلا في أحوال يكون الإشعار به خيراً من كتمانه , فمن المداراة أن يجمعك بالرجل يُضمر لك العداوة في مجلس فتقابله بوجه طلق وتقضيه حق التحية وترفق به في الخطاب وذلك أن حقيقة المداراة كما عرفها أهل العلم: هي التلطف في المعاملة ومحاذرة إثارة سخط الناس بقصد جلب مصلحة شرعية أو دفع مفسدة شرعية وقد تكون المداراة بالقول كلين الكلام وقد تكون بالفعل كالهبة والهدية وسائر ألوان الإحسان وهي مشروعة مستحسنة إذا لم يترتب عليها تفويت مصلحة شرعية وقد تصبح واجبة إذا ترتب على تركها مفسدة من ردة أو فسق أو ظلم مسلم أو نحو ذلك.
حكم المجاملة:
إن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة , أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا حرج في ذلك.
تعريف المداراة:
هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يُظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه أو كان له حق على المسلم كوالديه.
وعرَف بعض أهل العلم المداراة بأنها بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا , وأصلها المدارأة من الدرء وهو الدفع, ومن ذلك اتقاء الفسقة والظلمة ببعض الكلمات الحقة، وبالتبسم في وجوههم، من غير إقرار لهم أو معاونة، فإن ذلك من المداهنة المحرمة. وقيل هي: ملاينة الناس ومعاشرتهم بالحسنى من غير ثلم في الدين، في أي جهة من الجهات، والإغضاء عن مخالفاتهم في بعض الأحيان, والمدارة هي درء الشر المُفسد بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عنه إذا خيف أشد منه أو مقدار ما يساويه ولكن ليُعلم أن المداراة وردت في الإقبال وفي الكشر والتبسم، فأما الثناء -أي على الفاسق- بما ليس فيه فهو كذب صراح، ولا يجوز إلا لضرورة أو إكراه يُباح الكذب بمثله، بل لا يجوز الثناء ولا التصديق ولا تحريك الرأس في معرض التقرير، على كل كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو مُداهن، بل ينبغي أن يُنكر، فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه , والله أعلم.
تعريف المداهنة:
فسر العلماء بأن المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه.
وقيل أن المداهنة هي ترك ما يجب لله من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي أو هي المعاشرة والاستئناس مع وجود ذات المنكر لا أثره والقدرة على الإنكار.
حكم المداراة وحكم المداهنة:
يقول أهل العلم أن الإغضاء يختلف حكمه بحسب الباعث فإذا أغضيت لسلامة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء منه فهذه مداراة محمودة , وإن أغضيت عن فعل محرم وترك واجب