محبة بل وقد يترتب عليها مناصرة أيضاً وهذا إشكال ويمكن الجواب عليه بما يلي: أولاً:. أن الآية التي نهت عن موآدّة الكفار آية عامة, ولم يصرح فيها بالنص على عدم موآدّة الزوجة غير المسلمة. ثانياً:. "إن الزوجة الكتابية هي بمثابة ذوي القرابة من غير المسلمين كالوالدين ونحوهما, فإن الله عز وجل أمر بمصاحبة الوالدين إذا كان غير مسلمين بالمعروف قال تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (سورة لقمان آية 15) ثالثاً: إن البر بالكفار سواء كانوا من القرابة مثل الوالدين والزوجة أو من غيرهم من الكفار لا يعني ذلك مودتهم في القلب من كل وجه ولا يعني ذلك أن يتنازل المسلم عن شيء من أحكام الإسلام طلباً لرضاهم وودّهم.

رابعاً: أن المودة بمعنى المحبة, والمحبة نوعان محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته وولده وماله ومحبة دينية, كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله, ورسوله من الأعمال, والأقوال, والأشخاص. ولا تلازم بين المحبتين بمعنى: أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني, كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله وقيل يكفي بغض دينهما فحسب , ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة, فإن الإنسان مجبول على حب والديه, وقريبه, كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} (سورة القصص 56).

ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضاً دينياً, وقيل يكفي بغض دينها فحسب ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه, فتكون محبوبة من وجه, ومبغوضة من وجه.

خامساً: إن النساء الكتابيات اللاتي يتزوجن بالمسلمين لا يقعن تحت مفهوم من يحاد الله ورسوله الوارد في قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة 22) وذلك لضعفهن وقصورهن وتبعيتهن للأزواج, يقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحبّ المقسطين} (الممتحنة 8). وقد ذكر أهل العلم من المفسرين لهذه الآية أن المراد بها النساء والصبيان فبرهم وصلتهم غير محرّمة ما داموا بهذا الوصف, وإنما الذين نهانا الله عن موالاتهم هم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} (الممتحنة 9) ومن المعلوم أن المرأة الكتابية التي رضيت بالزواج من المسلم ودخلت تحت ولايته غير داخلة تحت من لا تصح موالاتهم في هذه الآية, وبهذا نستطيع الجمع بين آية الولاء والبراء وآية المودّة الزوجية وبالله التوفيق.

وأخيراً أخي القاريء بعد الجواب على هذا الإشكال أود أن أُشير إلى أن منشأ الخلاف في الحقيقة هو قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

. الآية) والقول الحق والصواب الذي لا ينبغي أن يُختلف فيه وهو ما أدين الله عز وجل به هو أن على المسلم تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر على وجه الكمال الواجب وفي ذات الوقت يُصاحب والديه المشركين بالمعروف ويُحسن لزوجته الكتابية وألا يُشغل نفسه في قضية بغضهم من عدمه , والإيمان بالله واليوم الآخر مقصود لذاته أما بغض الوالدين المشركين والزوجة الكتابية في الله مقصود لغيره وهذا على مذهب من يرى وجوب بغضهما في الله , والولاء والبراء سيأتيه تباعاً بلا تكلف باعتبار تحقيقه لهذه الآية , ويدلك على أن ما ذهبت إليه هو الصواب والحق بإذن الله هو أن هذه الآية تتكون من جزأين الجزء الأول وهو قوله (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ومعناه تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر على وجه الكمال الواجب وتفسير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015