صلى الله عليه وسلم - كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه.
وبناءً على ما سبق فإنه في هذه الحال يزول الإشكال في الأمر ببر الوالدين الفاسقين وصلة الرحم الفاسقة التي لا تزال في دائرة الإسلام وعدم وجوب المفارقة بين الزوجين اللذين أحدهما فاسق مسلم والآخر مؤمنٌ تقي.
ثانياً بالنسبة للتوفيق بين الولاء والبراء الشرعي وبين الأمر ببر الوالدين المشركين وصلة الرحم الكافرة وصحبتهم بالمعروف فإليك الجواب على هذا الإشكال:
بدايةً لا يخفى على المسلم أن الشارع أوجب البر بالوالدين الكافرين وأمر بصلة الرحم الكافرة استحباباً وقيل رخَص فيها , وأهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار وغيرهم مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة عليهم والإعانة على نوائب الحق وومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم، وعيادة مرضاهم , واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم، والإهداء لهم، وتهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان، وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، وكل صلة ظاهرة تدل على الرحمة لا المودة مشروعة وخاصة ما كان يُراد به وجه الله , وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأيٌ يُعتد به.
واتفق أهل العلم أيضاً على أن محبة الخير والهداية للناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم والرحمة والشفقة عليهم مشروعة ولا علاقة لها بالبراء الشرعي من المشركين , بل إن شفقة المؤمن على الكافر لقرابته أو لإحسانه وكذلك خوف المؤمن على قومه وعشيرته من عاقبة ما هم فيه من الكفر ورحمتهم لا تُنافي كمال الإيمان المستحب ناهيك عن الواجب فهذا نوح قال الله عنه يوم الطوفان
} وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {وقوله لقومه بعد أمرهم بتوحيد الله} إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {فنوح يُشفق على ابنه الكافر وعلى قومه الكفار ومنه قول إبراهيم لأبيه} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {, وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: " إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " فإبراهيم يُشفق على أبيه الكافر , ومن ذلك قول شعيب لقومه بعد نصحه لهم} َإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {, ومن ذلك أيضاً قول هود لقومه بعد وعظهم} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {, ومن ذلك أيضاً قول مؤمن آل فرعون لقومه بعد تذكيرهم بالله} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {, وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي) ومن المعلوم أن البكاء والشفقة لا يكونان إلا من ميل قلبي جبلي لا يُؤاخذ عليه الإنسان.