كرامته وغُربته ثم إن رأى منه أمراً يستوجب التنبيه نبهه بلطف وأدب دون أن يخدش كرامته، ومن الأخطاء أيضاً إظهار الملالة من الجليس لأن طلاقة الوجه وطيب الكلام من حقوق الضيافة والقرى، ومن الأخطاء تكليف الرجل جلاسه بخدمته، وتناجي الاثنين دون الواحد وما في معناهما إلا أن يستأذناه فيأذن فلا حرج إذاً، ومن الأخطاء القيام بما ينافي الذوق في المجالس، ومزاولة المنكرات في المجالس كشرب الدخان وسماع الأغاني ومشاهدة المحرمات من أفلام خليعة وحولها وكالغيبة والنميمة والاستهزاء بالدين وبعباد الله الصالحين ونحو ذلك فلا يجوز شهود هذه المجالس ولا السكوت عما يدور فيها لمن حضرها، وحضور مجالس اللغو ومداهنة أهلها لا يجوز إلا إذا كان سينكر عليهم أما إذا سكت عنهم فقد وقع في المداهنة المحرمة لأن حضوره بلا عذر ولا موجب شرعي وسكوته عن المنكر إنما هو إقرار ورضاً عما يصدر منهم وهذه هي المداهنة المذمومة وحقيقتها إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل أو عمل مكروه , وهذه هي المداهنة فلا تُلبَس بالمدارة المحمودة وحقيقة المداراة ترجع إلى حسن اللقاء وطيب الكلام والتودد للناس وتجنب ما يُشعر بغضب أو سخط أو ملالة وكل ذلك من غير ما ثلم للدين في جهة من الجهات , فمن المدارة المحمودة أن تُغشى تلك المجالس بنية الإصلاح وتغيير المنكر أو تخفيف الشر فتأخذ بسنة المداراة فتتلطف مع أهل المجلس وتُنكر عليهم برفق وتأخذ بأيديهم إلى ما فيه نجاتهم وسلامتهم مراعياً بذلك الحكمة متجنباً ما يُشعر بغضبهم أو ملالتهم فهذا العمل محمود مبرور وأنت فيه مأجور غير مأزور فإذا ما رأيت منهم إعراضاً عن الحق وتمادياً في الضلالة والغواية أو لمست منهم عناداً أو خشيت على نفسك من سلوك سبيلهم فالسلامة السلامة والنجاء النجاء، ومن الأخطاء أيضاً الجلوس على هيأة تُشعر بقلة الأدب إلا لعذر، والجلوس وسط الحلقة، والتفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما إلا إذا أذن الجالسان أن يجلس بينهما فلا بأس بذلك، وكذلك من الأخطاء إقامة الرجل من مجلسه والجلوس مكانه، والجلوس في مكان الرجل إذا قام لحاجة، والتقدم بحضرة الأكابر، وقلة التفسح في المجالس، وترك الاستئذان حال دخول البيوت، وترك السلام حال دخول المجلس وحال الخروج منه، والإخلال بأمانة المجلس، والتجسس والتحسس أما إذا كان التجسس والتحسس طريقاً لدرء مفسدة عظيمة كالقتل أو سرقة أو نحو ذلك فتجسسنا عليهم لنحول بينهم وبين ما يشتهون فلا حرج في ذلك بل قد يجب على من يعنيه الأمر وكذلك إذا كان التجسس يجلب مصلحة كبيرة فلا بأس بذلك.

ومن الأخطاء كذلك الجلوس في الطرقات دون إعطائها حقها، وفقدان المودة والصفاء وشيوع الكراهية والبغضاء، وقلة ذكر الله في المجالس، وقلة المبالاة وغير ذلك.

فقه الجدال بالتي هي أحسن:

اعلم أخي أن الجدال والمراء والخصومة والجدال قد يكون بحق وقد يكون بباطل , فإن كان الجدال الوقوف على الحق وتقريره كان محموداً , وإن كان في مدافعة الحق أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً وعلى هذا التفصيل تنزيل النصوص الواردة في إباحته وذمه.

ومن الحكمة في جدال المخالف أن يتدرج المحاور في طرح أفكاره , ومن حسن السياسة ألا يجهر برأيه الصريح في صدر المقالة وإنما يبتدئ بما يخف على المُخاطبين سماعه من المعاني الحائمة حول الغرض ثم يعبر عن المراد بلفظ مُجمل ثم يدنو من إيضاحه شيئاً فشيئاً حتى لا يُفصح عنه إلا وقد ألفته نفوسهم وهدأت له خواطرهم.

ومن الأخطاء التي ينبغي اجتنابها في المحاورة والمجادلة التهكم بالمحاور إلا إذا اقتضى الحال ذلك، والتحدي والإفحام ولا ينبغي المصير إليه لأن كسب القلوب أهم من كسب المواقف كما يُقال،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015