وكل ما فعله كتّاب السيرة الغربيّون هو أنهم أقرّوا اللوحة التي تقدمها السيرة عن الفترة المكية في خطوطها الكبرى، واستعملوها إطارا لا يحتاج إلا لتوشيته بأكبر كمية ممكنة من مواد القرآن (!!) وأفضل طريقة هي اعتبار القرآن والأحاديث الأولى كمصادر يتمّ بعض منها بعضها الآخر في مساهمته لفهم تاريخ الفترة المشار إليها. ويطلعنا القرآن على الجانب الفكري لمجموعة من التغيّرات التي حدثت في مكة وفي ضواحيها، ولكن يجب الاهتمام أيضا بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذا أردنا تكوين لوحة متناسقة وإدراك الجانب الفكري نفسه» (?) .
أمّا القول بتحيز القرآن وعدم موضوعيته، والشك في صدق النتائج التاريخية التي يطرحها.. فقد لا يستطيع أحد أن يلزم الرجل بالاعتقاد بأن القرآن- ككتاب منزل من الله سبحانه- إنما هو العلم الموضوعي اليقينيّ المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكننا كمسلمين؛ فإننا غير ملزمين البتة بقبول بل حتى بمناقشة أطروحات كهذه طالما أكد عليها المستشرقون.
ولكن حتى لو نظرنا إلى القرآن كوثيقة تاريخية؛ فإن القول بعدم موضوعيته وبالشك في معطياته التاريخية أمر يحتاج إلى دليل.. و (وات) يطرح مقولته على عواهنها.. ولا نجد بعدها في طول كتابه وعرضه مقطعا قرآنيا واحدا يخرج عن الموضوعية.. ولا نجد أيّ دليل!!
وعلى أي حال؛ فإن كتاب الله ما جاء ليكون كتابا تاريخيا يتابع التفاصيل والجزئيات لحظة بلحظة ويوما بيوم، كما نجد في العهدين القديم والجديد اللذين دونا في فترات لا حقة على نبوتي موسى وعيسى عليهما السلام. وبرغم ذلك فقد استطاع عدد من الباحثين أن يستخلصوا من القرآن