المستشرق ابن القرن العشرين يتشبّث بها، ويعض عليها بالنواجذ معتقدا أنها مفاتيح الحل ومفردات المنهج العلمي السليم؟
فكيف إذا أضيف إلى هذا كله نظرة اعتقادية مسبقة ترسم هياكلها على ضوء أيديولوجيتها الصارمة، وتسعى لكي تجد في التاريخ السند والدليل؟! بل إنها تحاول أن تعمل في وقائعه بمشرطها الذي لا يرحم من أجل أن تفسرها على الانسجام مع مقولاتها المسبقة، والدخول بالإكراه من عنق الزجاجة الضيّق الملتوي، كما يفعل النصارى المتعصّبون أو الماديون التاريخيون من المستشرقين؟!
بصدد الخطيئة المنهجيّة الأخيرة، فإن (مونتغمري وات) يتجاوز- بحق- الوقوع في إسارها، بل إنه ليعتمد- أحيانا- منهجا مغايرا تماما يبدأ من الواقعة التاريخية نفسها، وينتهي بالنتائج والدلالات التي تقود إليها.. لذا فإنه كثيرا ما كان يعلن رفضه لمقولات التفسير المادي للتاريخ، حيثما رأى الوقائع تتمرّد على هذه المقولات وتسلك مجاري أخرى في العمل والصيرورة.
فإذا كان (وات) يرفض الاعتقادية الجامدة في تحليل التاريخ، فإنه يقع متعمدا حينا، وغير متعمد أحيانا، في أسر القيود الآخرى التي تتحكّم في العقل الغربيّ عموما، والتي ألمحنا إليها قبل قليل.
وهو يحاول في مدخل بحثه أن يعلن تجاوزه لهذه الأزمة، وأن يتّخذ موقفا حياديا أقرب إلى التجرّد والموضوعيّة فيما يتعلّق بالمسائل الفقهية التي أثيرت بين المسيحية والإسلام، «فقد جهدت- يقول وات- في اتخاذ موقف محايد منها، وهكذا بصدد معرفة ما إذا كان القرآن الكريم كلام الله أو ليس كلامه، امتنعت عن استعمال تعبير؛ مثل: (قال تعالى) أو (قال محمد) في كل مرة استشهد فيها بالقرآن، بل أقول بكل بساطة: (يقول القرآن) ، وليس