يضطرب (وات) في تحليل أسباب الهجرة إلى الحبشة وبقاء المسلمين هناك ردحا طويلا بين خمسة أسباب: أولها: الهروب من الاضطهاد، وثانيها: البعد عن خطر الارتداد، وثالثها: ممارسة النشاط التجاري، ورابعها: السعي للحصول على مساعدة حربية من الأحباش، ثم يشكّك في جدوى الاعتماد على هذه الأسباب ويقول: «من الصعب مقاومة الفكرة القائلة بوجوب الاطمئنان إلى السبب الخامس؛ وهو أنه نشأ انقسام قويّ في الرأي داخل أمّة الإسلام الناشئة» (?) .

وفي مكان سابق كان (وات) قد قال: «يبدو أن إقامة خالد بن سعيد الطويلة في الحبشة تشير إلى أنه كان على خلاف مع محمد في سياسته، وأنه لم يكن يوافق على التوجيه السياسي المتزايد للإسلام، ولا على أهمية الدور السياسي لمحمد بسبب نبوته، ولو أن خالدا اهتم بالنواحي السياسيّة للرسالة لدفن خلافه مع محمد، وعاد إلى مكة قبل السنة السابعة للهجرة» (?) .

يستنتج (وات) من هذه الأخبار القليلة التي ساقها حدوث خلاف في الرأي بين المسلمين، وخاصة مع أبي بكر الذي كانت له مكانة قوية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوعز لمخالفي أبي بكر بالهجرة إلى الحبشة تفاديا للأخطار التي قد تنجم عن هذا الخلاف، غير أن الأدلة التي يسوقها (وات) ليست قوية، فإن بعض من هاجر إلى الحبشة كعثمان وطلحة كانوا من أصحاب أبي بكر.. كما أن اختفاء أسماء بعض المسلمين الأول المهاجرين وعدم لعبهم دورا رئيسيا في السياسة فيما بعد، وخاصة في عهد أبي بكر، لا يمكن أن يعزى إلى خلافهم معه فقط، بل قد يرجع إلى انشغالهم بأمور أخرى في الحياة، والواقع أن أبا بكر استعان بكثير ممن أسلم عند فتح مكة أو بعدها، وبأولاد كثير ممن قاوم الإسلام، فلو أهمل أبوبكر رجلا لماضيه لكان الأجدر به أن يهمل هؤلاء ولا يسلّمهم قيادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015