أمر النبي العربي ورئيس جمهورية مكة (أبي سفيان) الخبير المحنّك الذي كان يتكلّم بلسان الملأ المكّي، هذا يعترف بسيادة النبي الروحية والعالمية ويهجر الأوثان ويؤدّي الزكاة ويقيم الصلاة، وذاك يتعهد أن تبقى مكة مركز البلاد العربية الديني، وأن يجعل لأعيان مكة وقادة أفكارها حظّا في إدارة المملكة أو الجمهورية الروحية الجديدة، وأن يتركهم وشأنهم يتاجرون ويعيشون كما يشاؤون، أما الفريق الثالث، أي: الفقراء، وهو الطرف الذي استعرت الحرب لأجله وظهرت الدعوة لتحسين أحواله؛ فقد أرضوه في بادئ الأمر بشيء من الصدقات والزكاة، ثم نسوه أو تناسوه بعد وفاة النبي وخلفائه الأولين، فرجع إلى حالته الأولى بل إلى ما هو أسوأ منها» (?) .
ويقول في مكان آخر: «لا شك أن النبي العربي لم يقصد بأقواله وأفعاله في مكة والمدينة إلى أن يستأصل أسباب الشر الاجتماعي، ويقتل جميع جرائمه، كما يحاول أن يفعل اليوم جماعة الاشتراكيّين على اختلاف أسمائهم ونزعاتهم، بل كانت غايته الكبرى أن يخفف من وطأة تلك الأمراض على بعض طبقات الناس ممن خلقوا بعد قسمة الأرزاق أو وقعوا في الفقر والرقّ لأسباب لم يقو على مقاومتها. وإلّا فلو أراد أن يقتل جراثيم الأمراض الاجتماعية كلها لكان لجأ بعد أن أصبح صاحب الأمر والنهي في جزيرة العرب إلى وسائل غير تلك التي ذكرناها» .
«وما مثل النبي من هذا الوجه إلّا مثل الأنبياء الذين سبقوه؛ أي: أنه فضل استعمال الوسائل الأدبية- إلا فيما ندر من الظروف- على غيرها من الطرق التي لجأ إليها في عصرنا بعض مصلحي وسياسيي أوربة كلينين