مع بداية القرن، ونجاح الثورة البلشفية في روسية، بدأ يطل موقف جديد إزاء رسولنا عليه الصلاة والسلام، وتاريخنا الإسلامي بعامة، ينبثق عن التفسير المادي للتاريخ، ويسعى إلى إخضاع حقائق السيرة لمقولاته الصارمة.. يفصلها على مساحات منهجه المرسوم سلفا.. يقطع أوصالها لكي يرفض وينفي ويستبعد ما لا ينسجم ومطالب هذا المنهج، ويأخذ ويستبقي ما ينسجم وهذه المقولات.. وتحسب ما يأخذ مما يدع فلا يعدو أن يكون واحدا من عشرة في حساب الأرقام.
وإذ كانت وقائع السيرة تتأبّى على تحليلهم ومحاولاتهم القسرية، فإنهم يزدادون شططا في التقطيع والتمزيق وفي التفسير والتأويل، حتى لقد وصل الأمر بهم إلى أن يبلغوا حدّ المجّانيّة في التعليل والتحوير لتحقيق التطابق المرتجى بين الوقائع والفلسفة. الأمر الذي جعل أحدهم ينقض رأي الآخر وينحرف بتحليله في اتجاه نقيض تماما، على الرغم من أنهم تلامذة مدرسة واحدة، ورؤية مشتركة للتاريخ، ولكن لا بأس؛ فما داموا من المؤمنين بفلسفة النقيض فليتصد أحدهم للآخر، ولينقض بعضهم رأي الآخر، فلابدّ أنهم واصلون يوما قصدهم المرتجى.
لننظر على سبيل المثال إلى بعض ما قالوه، وهو كثير بصدد سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: «لقد رأى بعضهم أن المجتمع العربي (في مكة والمدينة) شهد بداية تكوين مجتمع يمتلك الرقيق، بينما يرى (بيجو لفسكايا) أن القرآن يشعر بتركّز مرحلة ملكيّة الرقيق ويذهب مع (بلاييف) إلى أن المرحلة الإقطاعية هي من آثار اتصال العرب بالشعوب الآخرى. هذا ويرى آخرون أن المجتمع الإقطاعي بدأ بالتكون فعلا، ويتبع هذا قلق في التفسير؛ فمنهم من يرى أن الإسلام يلائم مصالح الطبقات المستغلّة الجديدة من ملاك