كانت، وكيف يتمكن من إثباتها وإظهارها وتدوينها إذا ترك تلك الروايات وعالجها معالجة نقد وجرح وتعديل على أساليب البحث الحديث» ؟ (?) .
وترد في ختام كتاب آتيين دينييه (الشرق كما يراه الغرب) بعض الآراء حول هذا المنهج حيث يقول: «لقد أصاب الدكتور سنوك هيرغرنجه بقوله:
(إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية مقضيّ عليها بالعقم إذا سخّرت لآية نظرية أو رأي سابق) . هذه حقيقة يجمل بمستشرقي العصر جميعا أن يضعوها نصب أعينهم؛ فإنها تشفيهم من داء الأحكام السابقة التي تكلّفهم من الجهود ما يجاوز حد الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شكّ خاطئة.
فقد يحتاجون في تأييد رأي من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهيّن، ثم إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا وهذا أمر لا ريب مستحيل. إن العالم في القرن العشرين يحتاج إلى معرفة كثير من العوامل الجوهرية كالزمن والبيئة والإقليم والعادات والحاجات والمطامح والميول..
إلى آخره، ولا سيّما إدراك تلك القوى الباطنة التي لا تقع تحت مقاييس المعقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات» (?) .
وفضلا عن هذا نجد أن الطابع العلمانيّ الوضعيّ، والرؤية المحدودة للمناهج الغربيّة في تعاملها مع تأريخنا، أوقع عددا من المستشرقين في خطأ آخر؛ مفاده: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخطو خطوة واحدة وهو يعلم مسبقا ما الذي يليها، أي أن نشاطه كانت توحي به الظروف الراهنة ومتطلباتها ولوازمها، وأبرز مثل في هذا المجال ما ذكره فلهاوزن وعدد من رفاقه حول إقليميّة الحركة الإسلامية في عصرها المكّيّ، وأنها لم تنتقل إلى المرحلة العالمية- في العصر المدني- إلّا بعد أن أتاحت لها الظروف ذلك، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليفكر بذلك من قبل.