وهذا يكفي. لقد جاءت هذه الأقوال إفرازا طبيعيا للصراع المحتدم بين الإسلام والصليبيّة. وقد كان للنتائج التي تمخّضت عنها الحروب الصليبيّة طعم مر في حلوق الغربيّين ما ذاقوه أبدا.. إن ليوبولد فايس «محمد أسد» يتحدث عن التجربة التي استحالت معضلة في مناهجهم يصعب تجاوزها فيقول: «فيما يتعلق بالإسلام، فإن الاحتقار التقليديّ أخذ يتسلّل في شكل تحزّب غير معقول إلى بحوثهم العلمية، وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ بين أوربة والعالم الإسلامي (منذ الحروب الصليبيّة) غير معقود فوقه بجسر، ثم أصبح احتقار الإسلام جزآ أساسيا من التفكير الأوربي. والواقع أن المستشرقين الأوّلين في الأعصر الحديثة كانوا مبشّرين نصارى يعملون في البلاد الإسلامية، وكانت الصورة المشوّهة التي اصطنعوها من تعاليم الإسلام وتاريخه مدبّرة على أساس يضمن التأثير في موقف الأوربيّين من الوثنيّين. غير أن هذا الالتواء العقلي قد استمر مع أن علوم الاستشراق قد تحررت من نفوذ التبشير.. ولم يبق لعلوم الاستشراق هذه عذر من حميّة دينيّة جاهليّة تسيء توجيهها. أمّا تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة، وخاصة طبيعية تقوم على المؤثرات التي خلفتها الحروب الصليبية، بكل ما لها من ذيول، في عقول الأوربيّين (?) .
ليست الحروب الصليبيّة وحدها، لكنه الإسلام نفسه. إن الخطر الحقيقيّ، كما يقول لورنس براون في كتاب أصدره عام (1944 م) : «كامن في نظامه، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويّته.. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي» (?) .
ونقرأ في مجلة العالم الإسلامي (عدد حزيران سنة 1930 م) : «إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربيّ. ولهذا الخوف أسباب؛