على نفسه ويجيب عليها بصورة علمية، يضاف إلى ذلك أمانة علميّة شديدة تصدر عن فكر لا حيلة له أمام الحقيقة. هذا الانفتاح الفكري، وتلك الأمانة العلمية، وهذه المهارة في الكشف عما هو أصيل وجوهريّ جعل من كتابه عن محمد حدثا تاريخيا في الدراسات عن نبيّ الإسلام» (?) .
نقف أمام هذا الكتاب فإذا بنا نقع على بعض جوانب الخلل في منهج العمل في حقل السيرة: نزعة نقدية مبالغ فيها تصل حد النفي الكيفي وإثارة الشكّ حتى في بعض المسلّمات، تقابلها نزعة افتراضية تثبت بصيغ الجزم والتأكيد ما هو مشكوك بوقوعه أساسا. وإسقاط للتأثيرات البيئيّة المعاصرة، وإعمال للمنطق الوضعيّ في واقعة تكاد تستعصي على مقولات البيئة وتعليلات العقل الخالص.
ونستطيع أن نخلص من هذا كله إلى أنه ليس بمقدور أيّ مستشرق على الإطلاق مهما كان من اتساع ثقافته، واعتدال دوافعه، وحياديّته، ونزوعه الموضوعي، إلّا أن يطرح تحليلا للسيرة لابدّ أن يرتطم، هنا أو هناك، بوقائعها وبداهاتها ومسلّماتها، ويخالف بعضا من حقائقها الأساسيّة، ويمارس- متعمدا أو غير متعمد- تزييفا لروحها وتمزيقا لنسيجها العام.