الحجاز، ولا سيما لتلبية حاجات البدو والحضر، وإن سمعنا عن سلع من الجلد فمصدرها الطائف، ولكن هذه الصناعات ليست مهمّة في كتابة سيرة محمد لنعدّها عاملا فعالا» (?) .
بينما نجد أتباع التفسير المادي للتاريخ يعضّون بالنواجذ على أية إشارة من هذا النوع: صناعات جلدية، تجمعات عمالية لعصر الكروم وتخميرها!! وما شابه ذلك؛ لكي يقيموا عليها تحليلاتهم التي تنطوي في تشنجها المدرسي الأعمى، حتى نبوة الأنبياء وشعر الشعراء وحكمة الحكماء.. وهم يصلون- من خلال ذلك- إلى استنتاجات تصل حد التمحّل الذي يثير الاستغراب.. و (وات) يرفض الانسياق وراء هذا التقليد مؤكدا نقائضه الحين تلو الحين، برغم أنه يمثل- بحد ذاته- تناقضا مع عدد من أطروحاته التي أشرنا إليها قبل قليل.. «إن المستضعفين انتموا للإسلام متأثرين بقلقهم الخارجي والداخلي أكثر من تأثرهم بأي نفع اقتصادي أو سياسي.. وليس غريبا أنّ بعض الأشخاص قد دفعهم إلى الإسلام النواحي السياسية والاقتصادية فيه، ولا يبدو- مع ذلك- أن عددهم كان كبيرا» (?) .
وعلى أيّة حال فإن (وات) الذي دعا في مقدمة كتابه إلى الاهتمام الواسع بالعامل المادي في تفسير الوقائع التاريخية، لم يسمح لنفسه بأن يذهب مع المقولة إلى نهاية المدى، متخطّيا كل حواجز المنطق والواقعة التاريخيّة وتعقيدات الدّور البشري في التاريخ.. وبذلك أثبت أنه أكثر موضوعيّة من جلّ الذين أغراهم الدافع المنظور فوقعوا أسرى حشد من الأخطاء.