ليسوا أمناء:
إنَّ أكثر ما يلوكه المُسَبِّحُون بحمد المُسْتَشْرِقِينَ، هو الإشادة بدقَّتهم وتجرُّدهم للبحث والعلم، وقدرتهم على التمحيص والتدقيق، وأنهم قادة هذا الميدان وفرسان هذا المجال، والمستشرقون أيضاً حرصوا كُلَّ الحرص على أنْ يُضْفُوا على أنفسهم هيبة العلم وقداسة محرابه، وأنْ يُخْفُوا تحت شارته وردائه كل (أغراضهم) و (أهوائهم). وأصبحت كلمات (الأكاديمي) (البحث العلمي) (المنهج) (حرية الرأي) (قيمة العمل) (الحيدة العلمية) ... الخ.
أصحبت هذه الشعارات درعاً سابغاً توارت تحته مكنونات الصدور وخفيات الضمائر وسموم الأحقاد، ولكن لله دَرُّ الإمام أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور حين قال: «إنه ما أَسَرَّ أحد معصية قط إلاَّ ظهرت في آثار يده وفلتات لسانه».
ولو وضع تلاميذ المُسْتَشْرِقِينَ وأتباعهم، والذاكرين الشاكرين لهم، هذه الغشاوة عن أعينهم، وهذه الحجب عن بصائرهم، لرأوا ما خلف هذه الأقنعة، وعلموا أنَّ كلام المُسْتَشْرِقِينَ في العلم والمنهجية وحرية البحث والحيدة العلمية مجرد أقنعة تتراكم وتتراكب إمعاناً في إخفاء ما تحتها، ولو نظرنا في عمل هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ بمقاييس (العلم) و (المنهج العلمي) و (البحث الأكاديمي) ... لوجدناهم أول من يصفع هذا المنهج على قفاه، ويدوسه بقدميه. وهو في نفس الوقت رافع رايته، متقدم باسمه، ضارب بسيفه.
وإنَّ القوم لعلمهم أنَّ حرب الكلمة، ليست كحرب السلاح والدم، في الثانية كلما تكاثفت الضربات، وتوالت الطعنات وتقدمت الجيوش تحرق وتدمر، كلما كان النصر.
لكن في حرب الكلمة والفكر (كلما كانت الضربة) أخف وأرق وألطف، وكلما تباعدت الضربات، وكلما كانت الضربات والطعنات مغلفة