الفصل التاسع عشر
روسيا
بدأت الصلات بين العرب والروس، منذ العصر العباسي الأول، عن طريق تجار من بغداد قصدوا روسيا للبيع والشراء - وأقدم وصف عربي لروسيا كتبه أحمد ابن فضلان الذي أنفذه المقتدر (921 م) إلى ملك البلغار وكان يقيم على ضفاف الفولغا - وعن طريق حجاج الروس إلى بيت المقدس الذين وصفوا ما شاهدوه في رحلاتهم، ومن أشهرها رحلة الأب دانييل (1106 - 1108) وقد كتبها بالروسية (1113) ثم ترجمت إلى الفرنسية.
ثم اكتسح جنكيزخان (1112 - 1227) (?) بلداناً كثيرة، خالطاً مدنياتها بعضها بالبعض الآخر في تغلبه عليها ولكنه عجز عن إبداع حضارة تعرف به ليله إلى السلب والهدم وأخذه الناس بالقوة والعنف، وبلغ روسيا (1224) وعلى أيام حفيده باتوخان (1227 - 1255) غزا المغول روسيا وأغاروا على بولونيا والمجر وثلاثيا وعبر وا الدانوب إلى بلغاريا. ثم جاء تيمورلنك فانتسب إلى جنكيزخان وأنفذ تقتمش لغزو الروس فاستولى على موسكو ونهبها (1380 - 1381) ثم احتلها تيمورلنك نفسه (1395) فسيطرت حامية إحدى قبائل المغول على قسم من روسيا مدي 240 عاماً طبعتها بأثرها الإسلامي في الدين والثقافة والحضارة.
ولما سقطت الإمبراطورية المغولية خرجت روسيا، منذ القرن السادس عشر، من حدودها الأوربية إلى آسيا، فربط الإسلام بينها، بعد أن أصبح فيها نحو ثلاثة وعشرين مليوناً من المسلمين في آسيا والقوقاز، وبين اللغة العربية بروابط دينية وتاريخية وثقافية وثيقة - ولطالما فاخرت روسيا بإسهام مفكريها في إنشاء التراث العربي: كالخوارزمي والبيروني وابن سينا والفارابي - تدل عليها آثار ومخطوطات وكتابات لا بلغات روسيا فحسب بل بالعربية ذاتها، منها: رسالة على الرق من صاحب صفد في طاجيكستان دي واشى إلى الأمير الجراح بن عبد الله سنة 99 -