الفصل الثاني عشر
هولاندا
عرف الهولنديون من اللغات السامية العبرية، ثم العربية وتضلعوا منها واشتهروا بها الأسباب مختلفة أهمها:
ازدهار الثقافة في البلدان المنخفضة بفضل جامعة لوفان، والخلاف الديني الذي وقع بخروج لوثر على الكثلكة خروجاً اقتضى الرجوع إلى التوراة لتفسير الكتاب المقدس وتحقيقه فتساوت العبرية باليونانية واللاتينية (?). ثم إقامة الولايات المتحدة على أنقاض الحكم الاسباني الكاثوليكي، وإفادتها من معارفه وحلولها محله في فرموزه ثم جاوه (1595) ومحل البرتغاليين في الهند (1665) فاتصلت هولندا بعرب المغرب الأقصى ومواني الشرق الأوسط، ولا سيما بمسلمي الهند الشرقية، إتصالاً سياسيًّا وتجاريًّا وثقافياً، دون التعرض لحريتهم، فتركتهم وشأنهم يحجون ويأتون الزكاة ويتقاضون بحكم شرعهم ويصدرون الصحافة العربية، مكتفية في معظم الأحيان بشركة الهند الشرقية التي كانت قد أسستها في هولندا (1602) للتجارة مع البلاد الواقعة بعد رأس، الرجاء الصالح. فلما أجلاها الفرنسيون عن الهند (1740) وألغيت شركة الهند الشرقية (1795) فقدت هولندا مكانتها التجارية في الشرق، وندرت اتصالاتها السياسية به، فقصرت العربية على علماء اللاهوت إلى أن أقبل الغرب على الاستشراق فاستعاد الهولنديون مقامهم في تحقيق تراثه ومقارنة لغاته، وجلاء تاريخه وجغرافيته، وتبويب العلوم الإسلامية من تفسير وفقه وحديث. وتخرج عليهم المستشرقون واستعانوا بمؤلفاتهم وترجماتهم، وتعاونوا معهم في إصدار مجموعاتهم، وآثروا نشر مصنفاتهم في مطبعتهم حتى عدت هولندا ولا سيما ليدن في جامعتها ومكتبتها ومطبعتها من أشهر مراكز الاستشراق العالمي.