وشيدت ديدو أميرة صور، مدينة قرطاجنة (813) في تونس، فما وافي عام 558 حتى ضارعت أمها صور فعدها اليونان من أجمل العواصم. ووصف أرسطو دستورها بأنه أرقى من سائر دساتير العالم في كثير من نواحيه، ولخص قواعد زراعتها، ماجو الكاتب القرطاجني في كتاب مشهور (?)، ومد أسطولها - 500 قطعة ذات خمسة صفوف من المجذفين - رقعتها من حدود برقة إلى الأطلسي ومكنها من ضم جزر الباليار حتى جزر المديرا إليها، وإقفال حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي في وجه التجارة اليونانية ثم الرومانية حتى قيل: لا يقوى الرومان على غسل أيديهم فيه إلا بإذن قرطاجنة.
وكان اليونان قد لحقوا بالفينيقيين إلى صقلية (735) ثم إلى إسبانيا، فدمر القرطاجنيون أسطولهم فيها (535) وطال نزاعهم معهم على صقلية في حروب (480 - 409 - 397 - 392 - 383 - 368) وانتصر الرومان لجيرانهم اليونان على القرطاجنيين (264) فبدأت الحروب البونية - أي الفينيقية بلغة الرومان - وهزموهم في أكبر معركة عرفها التاريخ (256) واضطروهم إلى طلب الصلح (241) وثار الجنود المرتزقة على قرطاجنة (238 - 241) وحاصروها فرفع هميلقار (?) برقة الحصار عنها، وصالح رومه، وقصد إسبانيا (238) وتوفى فيها (229).
وخلفه في معسكره؛ هزدرو بعل زوج ابنته فشيد بجوار مدينة الفضة قرطاجنة الجديدة (226) وعقد مع رومة معاهدة. ثم خلفه هنيبعل بن هميلقار برقه (221) وكان يجمع إلى تضلعه من الثقافتين الفينيقية واليونانية عبقرية سلكته بين أشهر أبطال التاريخ، فزحف من إسبانيا على إيطاليا مجتازاً نهر الأبر و (218) إلى نهر البو - وقد اخترقه المؤرخ يوليبوس ليسجل نقشاً، خلفه هنيبعل عند بروتيوم، في تاريخه العام (148 ق. م) - وأطبق على فيالق الرومان عند نهر تيسينو وبحيرة تراسيمن (217) وكاناي (216) فأفنى معظمها وكبار قوادها وثمانين من أعضاء مجلس الشيوخ. وقاء برهن هنيبعل في نصره ذاك على براعة في القيادة