نبحث لغات بعيدة عنا، ونخوض في موضوعات في غاية الدقة، مستعينين بالأساليب الحديثة، وكما أنه يشفع للطبيب الجراح -أن أخفق في عملية جراحية- حسن نيته، كذلك يجب أن يشفع للباحث طيب طويته وحرصه على الوصول إلى النتائج دون تعصب" (?).
ونحن نقول للعالم ستوري ونظرائه: إن التجريح والطعن والقذف قد أصابت معظم المتعرضين للكتب السماوية، ولم نقصرها معشر العرب على المستشرقين. فقد قال أستاذ جامعي عن العميد أحمد أمين: إنه كان من أبرز الكتاب المعاصرين الذين سلكوا في تلمذتهم للمستشرقين سبل الهجوم المقنع بستار العلم، متجنبة المصارحة مفضلا المواربة والمخاتلة، وقد تحدث في فجر الإسلام عن الحديث فمزج السم بالدسم. كما اتهم الشيخ أباريه مؤلف كتاب "أضواء على السنة المحمدية" بالافتراء والبهتان والدعوة الفاجرة، وقد كان أفحش وأسوأ أدباً من كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة والرافضة والمستشرقين قديماً وحديثاً (?).
أما القول في تراثنا بأننا نحن أهله وأصحابه ولا يجوز لنا بعد اليوم أن نتخلى عنه لسوانا من الأجانب الغرباء فقول مردود:
لأنه يحرمنا من حق درس التراث الإنساني، ولأولئك الأجانب الغرباء نصيب فيه. ويسقط، في الوقت نفسه، عن تراثنا صفته الإنسانية في تأثره بالثقافة العالمية وأثره فيها من اليونان والفرس والرومان إلى أوربا وأفريقيا وآسيا حتى الشرق الأقصى. ولولا جهود المستشرقين لما أحطنا به أو اهتدينا إلى كل عظمة أسلافنا (?) وحققنا تواريخ أولى دولنا (?) وما دامت ثقافتنا عالمية ومن سماء الشرق انبثقت الأديان الثلاثة المنزلة، حق لعلماء العالم تمحيصها لمعرفة مصادر حضارتهم، تقصيهم صلات بلدانهم بالشرق العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحديد تاريخهم منه في ضوها.