الكتب في الشرق والغرب، فلا يصدر كتاب حتى يبادر الناقد - ولكل مجلة نقاد متخصصون بالموضوعات والمؤلفين والعصور والدول إلخ وليس بينهم مرتزق أو متطفل أو محاب - يبادر إلى نقده نقدأ دقيقة نزيهة جهد المستطاع. وتضع معظم المجلات المسارد العامة، وتقدم فهارس المستشرقين للمطابع ودور النشر، في كبري عواصم العالم.
ولئن عدت تلك المجلات من أثبت وأوسع وأطرف مصادر علومنا وآدابنا وفنوننا في الغرب، فلا سبيل إلى مقابلتها بما لدينا منها، ولم تجاوز أصابع اليد، ولقد تعطلت، الرسالة والثقافة والكتاب والكاتب المصري، بعد صدورها بسنوات، على شدة حاجتنا إليها ووفرة الإمكانيات التي لم تهيأ في الغرب لغيرها. وقد شعرت وزارة الثقافة بهذه الحاجة فأحيت الرسالة والثقافة (1963).
ولقد بلغت مؤتمرات المستشرقين الدولية (1873 - 1964) 26 مؤتمراً، ضم الواحد منها مئات العلماء من أعلام المستشرقين والعرب والمسلمين والشرقيين، أسهموا فيما بينهم في أقسامه الأربعة عشر، عن آسيا وأفريقيا، وتناولوها بالمحاضرات والأبحاث والنظريات والمقترحات. ثم نشروها في مجلدات للاهتداء بها كنظم ومناهج ووسائل، ثم أصبحت، مع دراسات مؤتمراتهم الموضوعية والإقليمية، أصولا وأمهات وأسانيد للباحثين.
* * *
وبعد، فما الدافع إلى الاستشراق وما الجزاء عليه؟
لم يكن الدافع واحداً للمستشرقين كافة، في جميع البلدان، خلال ألف عام، بل كانت هناك دوافع منوعة، متداخلة، متطورة، غلب عليها الطابع العلمي، فلا سبيل إلى أن يكون نوع الجزاء واحداً:
فأساتذة اللغات الشرقية في العصر الوسيط وتراجمته عملوا لقاء أجر -ما خلا الرهبان الذين كانوا وما زالوا يعملون ولا يؤجرون وقد أمنت لهم رهبانياتهم معايشهم- وأوائل المستشرقين وعلماء الجدل والموسرون نالوا جزاءهم بإرساء النهضة الأوربية على التراث العربي، وبتفسيرهم الكتب المقدسة باللغات الشرقية، وبالتضلع من العربية