حديث، لم يصح لديه منها سوى أربعة آلاف، وكذلك لم يكن حظ اللغة والأدب والتاريخ بأفضل بكثير من حظ الدين.
أفإن طبقّ المستشرقون منهجم العلمي على تراثنا، وقد خلت نفوسهم وقلوبهم وعقولهم، قدر استطاعتهم، من آثار تلك العصبيات والمنازعات والأهواء يكونوا قد أخطأوا في نظر البعض منا لأن نتائج منهجهم لم تأتنا بما ألفناه - وكان ذلك البعض ولا يزال يرى العالم ينهي عند مواطيء قدميه ويقصر مفاخرنا على قوله: نحن العرب نرعى الذمم - وتحمسنا له ووافق هري من نفسنا؟
إنا لنفرض جدلاً أن جمهرة المتصدين لتراثنا من شرقيين ومستشرقين لا تخلو أنفسهم من هوى ولا تبرأ من اعتلال، ولكن إلى أي هؤلاء المتصدين نطمئن أو نكون أكثر اطمئنانة وأقرب إلى تعرف الحقيقة والظفر بها: إلى هذا الذي يجهل المنهج العلمي فلايكاد يصل إلى صواب إلا عرضاً ومصادفة وندرة! أم إلى ذلك الذي يحارب هواه أو حتى يسالمه- إلا نفراً تناولت أقلامهم ذلك التراث بالنيل منه عن عصبية أو عقيدة أو مطمع سياسي فسخّر العلم ليجعل من الحق باطلاً- فيأخذ نفسه بالمنهج العلمي فتراه يقطع الأمصار وينفق الثروات ويفي العمر بين المخطوطات والآثار والمصنفات مطلعاً منقباً مستنطقاً مقارناً فلا يتقدم بقضية إلا وبيده دليلها، ولا ينهض بدعوى إلا وهو يسوق لها الأسانيد والحجج التي تحسم كل خلاف وتنفي كل ريب؟
كان المستشرقون أول من أنشأ المطابع الشرقية في بلدان الغرب (ماينس 1986) والشرقين الأوسط والأقصى، وشمالي أفريقيا (?). وقد استوعبت مطبعة ليدن وحدها حروف عشرين لغة شرقية. ومطبعة البروبغنده حروف مائتين وخمسين لغة منها اللغات الشرقية، ثم تعددت مطابع الجامعات والمكتبات والجمعيات والمراكز الثقافية والعلمية والأثرية، ونشرت الأمهات من علومنا وآدابنا وفنوننا، محققة مترجمة مصنفة فيها، على أروع ما يكون النشر دقة علمية وإتقان طباعة ورونق حروف.