فصل
فما يلفى لأهل المكاشفات والمخاطبات من المؤمنين هو من جنس ما يكون لأهل القياس والرأي فلا بد من عرضه على الكتاب والسنة والإجماع فليس أحد من هؤلاء المشايخ ولا الصديقين معصوما، فكل من ادعى غناءه عن الرسالة بمكاشفة أو مخاطبة أو عصمة سواء ادعى ذلك لنفسه أو لشيخه فهو من أضل الناس.
ومن استدل على ذلك بقصة الخضر فهو من أجهل الناس، فإن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر، ولا كان يجب على الخضر اتباعه، بل قال لموسى: «إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه» ولما سلم عليه قال: «وأَنَّى بأرضك السلام» ؟ قال: أنا موسى. قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم» فالخضر عليه السلام لم يعرف موسى عليه السلام حتى عرفه موسى نفسه.
وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو الرسول إلى جميع الخلق. فمن لم يتبعه من جميع من بلغته دعوته كان كافرا ضالا ومن قال له مثل ما قال للخضر فهو كافر.
وأيضا ما فعله الخضر فلم يكن خارجا عن شريعة موسى؛ إذ لما بين له الأسباب أقره على ذلك، فكان قد علم الخضر الأسباب التي أباحت له ذلك الفعل ولم يكن يعلمها موسى كما يدخل الرجل على غيره فيأكل طعامه ويأخذ ماله لعلمه بأنه مأذون له.
وأيضا فإن الخضر إن كان نبيا فليس لغيره أن يتشبه به، وإن لم يكن نبيا وهو قول الجمهور فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما أفضل منه، فإن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما خيارها، وكان حالهما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما علم من الطاعة لأمره،