واستماع كلام المبتدع للرد عليه من جنس الجهاد، وأما الخلوة بالمرأة الأجنبية فمحرم فهذا كله من جنس واحد، وهو دخول الإنسان بنفسه من غير حاجة فيما يوجب عليه أمورا أو يحرم عليه أمورا، لا سيما إن كانت تلك الأمور مما جرت العادة بترك واجبها وفعل محظورها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدجال: "فلا يزال ما يراه من الشبهات حتى يفتنه ذلك".
من هذا الباب ما يذكر عن طوائف من السلف من امتناعهم ومنعهم من استماع كلام المبتدعة خشية الفتنة عليهم، وعلى غيرهم وأما من نهى عن ذلك للهجر أو للعقوبة على فعله فذلك نوع آخر إلى أن قال: فهذه الأمور العدل فيه ألا يطلب العبد أن يبتلى بها، وإذا ابتلي بها فليتق الله وليصبر، والاستعداد لها أن تصيبه من غير طلب الابتلاء بها، فهذه المحن والفتن إذا لم يطلبها المرء ولم يتعرض لها بل ابتلي بها ابتداء أعانه الله تعالى عليها بحسب حال ذلك العبد عنده؛ لأنه لم يكن منه في طلبها فعل ولا قصد حتى يكون ذلك ذبنا يعاقب عليه، ولا كان منه كبر واختيال مثل دعوى قوة أو ظن كفاية بنفسه حتى يخذل بترك توكله ويوكل إلى نفسه، فإن العبد يؤتى من ترك ما أمر به.
وسواء كان مراده بها محرما، أو مباحا، أو مستحبا.
وإرادته بها المحرم زيادة ذنب.
وإن أراد بها المستحب فقد فعل ما لم يؤمر به، وهذا مما يذم عليه، كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا، "ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأنصار يستنون بسنته ويهتدون بهديه، ثم إنه يخلف من بعده خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون".
والتعرض للفتنة هو من باب الذنوب فالمؤمن الصادق لا يفعل.