ولهذا كان عند جميع العلماء قوله تعالى في المحاربين {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [33/5] لا يقتضي أن الإمام يخير تخيير مشيئة فيفعل أي هذه الأربعة شاء؛ بل كلهم متفقون على أنه يتعين هذا في حال وهذا في حال.
ثم أكثرهم يقولون: تلك الأحوال مضبوطة بالنص، فإن قتلوا تعين قتلهم، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا تعين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، روي في ذلك حديث مرفوع، ومنهم من يقول: بل التعيين باجتهاد الإمام كقول مالك فإن رأى أن القتل هو المصلحة قتل وإن لم يكن قد قتل.
ومن هذا الباب تخيير الإمام في الأرض المفتوحة عنوة بين جعلها فيئا وجعلها غنيمة، كما هو قول الأكثرين، كأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد وأحمد في المشهور عنه.
فإنهم قالوا: إن رأى المصلحة في جعلها غنيمة قسمها بين الغانمين، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، وإن رأى أن لا يقسمها جاز كما [لم] يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة مع أنه فتحها عنوة كما شهدت بذلك الأحاديث الصحيحة والسيرة المستفيضة وكما قاله جمهور العلماء، ولأن خلافاءه بعده أبا بكر وعمر وعثمان فتحوا ما فتحوا من أرض المغرب والروم وفارس كالعراق والشام ومصر وخراسان ولم يقسم أحد من الخلفاء شيئا من العقار المغنوم بين الغانمين لا السواد ولا غير السواد،
بل جعلوا العقار فيئا للمسلمين داخلا في قوله {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلهِ وَلِلرَّسُولِ} [7/59] ، ولم يستأذنوا في ذلك
الغانمين، بل طلب أكابر الغانمين قسمة العقار فلم يجيبوهم إلى ذلك، كما طلب بلال من عمر أن يقسم أرض الشام، وطلب منه الزبير