نَشَأَ أَبو القَاسِمِ بإحْدَى عَوَاصِمِ الإسلَامِ ومُدُنهِ العُظْمَى حِينَها، العَامِرَةِ بالعِلْمِ والعُلَمَاءِ، وَهِى أَصْبَهَانُ التِّي كَانَتْ كَمَا يَقُولُ الإمَامُ الذَّهَبِيُّ: (تُضَاهِي بَغْدَادَ في عُلُوِّ الإسْنَادِ، وكَثرةِ الحَدِيثِ والَأثَرِ) (?)، فقدْ كانَتْ زَاخِرَةً بالعُلَمَاءِ والفُضَلَاءِ والأُدَبَاءِ، وقالَ الإمَامُ يَاقُوتُ الحَمَوِيُّ وَهُو يَصفُ مَكَانَتَهَا العِلْمِيَّةَ: (وقدْ خَرَجَ مِنْ أَصْبَهَانَ مِنَ العُلَمَاءِ والَأئِمَّةِ في كُلِّ فَنٍّ مَا لمْ يَخْرُجْ مِنْ مَدِينَةِ مِنَ المُدُنِ، وعَلَى الخُصُوصِ عُلُوُّ الإسْنَادِ، فإنَّ أَعْمَارَ أَهْلِهَا تَطُولُ، ولَهُم في ذلِكَ عِنَايةٌ وَافِرَةٌ بِسَمَاعِ الحَدِيثِ، وَبِهَا مِنَ الحُفَّاظِ خَلْقٌ لاَ يُحْصَونَ، وَلَها عِدَّةُ تَوَارِيخَ) (?)، وكَانَ جَامِعُهُا أَعْمَرَ الجَوَامِعِ بالعلْمِ ورِوَايةِ الحَدِيثِ.
وقَدْ حَظِيتْ أَصْبَهَانُ في فَتْرَةِ السَّلَاطِينِ السَّلَاجِقَةِ العِظَامِ (429 - 552) بِعِنَايةٍ كَبِيرَةٍ، وخَاصَّةً في زَمَنِ السُّلْطَانِ الكَبِيرِ مَلكْشَاه بنُ أَلْب أَرْسلَان (465 - 485) حَيْثُ كَانَت المَكَانَ المُفَضَّلِ لإقَامَتِه، فَاتَّخَذَها مَقَرَّا لمِمْلَكَتهِ، وزَيَّنَهَا بالحَدَائِقِ الوَاسِعَةِ والبِنَايَاتِ الجَمِيلَةِ، ولَمْ يَبْخَلْ بمالٍ أَو جُهْدٍ في رَفْعِ شَأْنِهَا، ونَشر سُمْعَتِها في العَالَم الإسلَامِيِّ آنَذَاكَ، فَشَجَّعَ العُلَمَاءَ على القُدُومِ إليهَا، وأَكْرَمَهُم بالعَطَاءِ والتَّقْدِيرِ، وحَثَّهُم عَلَى نَشر العِلْمِ (?).