في النار تضوّعت منها أرياح «1» طيّبة مختلفة لا تعرف في نوع من أنواع الطّيب، وقد جعل بإزاء كلّ تمثال تمثال من المرمر والرخام «2» على هيئة الصنم على حسب عبادتهم للتماثيل. (وعليها أنواع من) «3» الكتابات لم يقف على استخراجها أحد من أهل الملل، وزعم قوم من أهل الدراية أنّ لذلك القلم مذ فقد من أرض مصر أربعة آلاف سنة.
878 وكان صلحاء مصر أعظم الناس علما وأجلّهم بالكهانة حذقا، وكان حكماء اليونانيّين يصفونهم بذلك ويشهدون لهم بالتقدّم فيه «4» ، فيقولون: أخبرنا حكماء مصر بكذا واستفدنا منهم كذا. وكانوا يزعمون أنّ الكواكب هي الّتي تفيض عليهم العلوم وتخبرهم بالغيوب، وأنّها هي الّتي علّمتهم أسرار الطبائع ودلّتهم على العلوم المكنونة، فعملوا الطلسمات المشهورة والنواميس الجليلة وولدوا الولادات الناطقة والصور المتحرّكة وعجائبهم ظاهرة وحكمتهم واضحة.
879 وكانت مصر خمسا وثمانين كورة، فأسفل الأرض خمس وأربعون وبالصعيد أربعون. وكان في كلّ كورة رئيس من الكهنة وتحت يد كلّ واحد منهم عدد عظيم «5» من السحرة وأهل الحكمة، وهؤلاء الرؤساء الّذين عنى الله تعالى في قصّة فرعون لمّا أشار عليه أصحابه وقالوا له: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ
«6» . وكان الّذي يتعبّد منهم الكواكب السبعة المدبّرة