فى الملاهى وما لا يرضاه الله، وإلى المنافسات فيما بينهم فى الأشياء المذمومة إلا القليل، وترى الغالب على أهل الأموال بما وراء النهر صرف نفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد ووجوه الخير إلا القليل منهم، وليس من بلد ولا منهل «1» ولا مفازة مطروقة ولا قرية آهلة إلا بها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه، وبلغنى أن بما وراء النهر زيادة على عشرة آلاف رباط، فى كثير منها إذا نزل النازل أقيم علف دابّته وطعام نفسه إن احتاج إلى ذلك، وقلّ ما رأيت خانا أو طرف سكة أو محلّة أو مجمع ناس فى الحائط بسمرقند يخلو «2» من ماء جمد مسبّل، ولقد أخبرنى من يرجع إلى خبره أن بسمرقند «2» فى المدينة وحائطها فيما يشتمل عليه السور الخارج زيادة على ألفى مكان، يسقى فيها ماء الجمد مسبّلا، من بين سقاية مبنيّة وجباب منصوبة. وأما بأسهم وشوكتهم فإنه ليس فى الإسلام ناحية أكبر حظا فى الجهاد منهم؛ وذلك أن جميع حدود ما وراء النهر إلى دار «3» الحرب.
أما من خوارزم إلى ناحية إسبيجاب فهم الترك الغزية، ومن إسبيجاب إلى أقصى فرغانة الترك الخزلجيّة، ثم يطوف بحدود ما وراء النهر من السنديّة «4» وبلد الهند من ظهر «5» الختّل إلى حدّ الترك فى ظهر فرغانة، فهم القاهرون لأهل هذه النواحى، ومستفيض أنه ليس فى الإسلام دار حرب هم أشد شوكة من الترك، فهم ثغر المسلمين فى وجه الترك، يمنعونهم من دار الإسلام، وجميع ما وراء النهر ثغر؛ يبلغهم نفير العدو، ولقد أخبرنى من كان مع نصر بن أحمد رحمه الله فى غزاة شاوغر، أنهم كانوا يحزرون ثلاثمائة ألف، وأن أربعة آلاف رجل انقطعوا عن العسكر «6» ، فضلّوا أياما قبل أن يتهيأ لهم الرجوع، وما كان منهم من غير أهل «7» ما وراء النهر كثير عدد يعرفون بأعيانهم؛ وبلغنى أن المعتصم كتب إلى عبد الله بن طاهر كتابا عرض يتهدّده «8» فيه، وأنفذ الكتاب إلى نوح بن أسد، فكتب إليه «9» أن بما وراء النهر «9» ثلاثمائة ألف قرية، وليس من قرية إلا يخرج «10» منها فارس وراجل، لا يبين على أهلها فقدهم؛ وبلغنى أن بالشاش وفرغانة من الاستعداد ما لا يوصف مثله عن ثغر من الثغور، حتى إن الرجل الواحد من الرعية عنده من بين مائة دابة إلى خمسمائة «11» وليس بسلطان، وهم على بعد دارهم أوّل سابق إلى الحج، لا يدخل البادية قبلهم أحد، ولا يخرج منها بعدهم أحد، وهم مع ذلك أحسن الناس طاعة لكبرائهم، وألطفهم خدمة لعظمائهم وفيما بينهم، حتى دعا ذلك الخلفاء إلى أن استدعوا