الذي لا يقاربه «1» فى الغزارة والكثرة معدن فى سائر بلدان الإسلام «2» إلا بنجهير فى الفضّة، وأما الزيبق والذهب «3» وسائر ما يكون فى المعادن فأغزرها ما يرتفع مما وراء النهر، وليس فى شىء من بلدان الإسلام النوشاذر والكاغذ إلا فى ما وراء النهر؛ أما فواكههم فإنك إذا تبطّنت السغد وأشر وسنة وفرغانه والشاش رأيت من كثرتها ما يزيد على سائر الآفاق، حتى يرعاها لكثرتها دوابّهم؛ وأما الرقيق فإنه يقع إليهم من الأتراك المحيطة بهم ما يفضل عن كفايتهم، وينقل إلى الآفاق من بلادهم، وهو خير رقيق يحيط بالمشرق كله؛ وبها من المسك الذي يجلب إليهم من تبّت وخرخيز ما ينقل إلى سائر الأمصار منها؛ ويرتفع من الصّغانيان إلى واشجرد من الزعفران ما ينتقل إلى الآفاق، وكذلك الأوبار من السمّور والسّنجاب والثعالب وغيرها، مما يحمل إلى أقصى الغرب «4» ، مع طرائف من الحديد والختوّ «5» والبزاة، وغير ذلك مما يحتاج إليه الملوك. وأما سماحتهم فإن الناس فى أكثر ما وراء النهر كأنهم فى دار واحدة، ما ينزل أحد بأحد إلا كأنّه رجل دخل دار نفسه، لا يجد المضيّف من طارق فى نفسه كراهة، بل يستفرغ مجهوده فى إقامة أوده، من غير معرفة تقدمت ولا توقّع مكافأة، بل اعتقادا للسماحة فى أموالهم، وهمة كل امرئ منهم على قدره فيما ملكت يده، من القيام على نفسه ومن يطرقه، وبحسبك أنك لا تجد فيهم صاحب ضيعة إلا كانت همته ابتناء قصر فسيح ومنزل للأضياف، فتراه عامة دهره متأنّقا فى إعداد ما يصلح لمن طرقه «6» ، فإذا حلّ «7» بينهم طارق تنافسوا فيه وتنازعوه، فليس أحد يتصرف بما وراء النهر فى مكان به ناس يخاف الضياع فى ليل أو نهار، فهم فيما بينهم يتبارون فى مثل هذا حتى يجحف ذلك «8» بأموالهم ويقدح فى أملاكهم، كما يتبارى سائر الناس فى الجمع، ويتباهون بالملك والمكائرة فى المال، ولقد شهدت منزلا بالسغد ضربت «9» الأوتاد على باب داره، فبلغنى أن بابها لم يردّ منذ مائة سنة وأكثر «10» لا يمنع من نزولها طارق، وربما نزل بالليل بغتة من غير استعداد المائة والمائتان والأكثر بدوابّهم وحشمهم، فيجدون من علف دوابهم وطعامهم ودثارهم ما يعمّهم، من غير أن يتكلّف صاحب المنزل أمرا لذلك لدوام ذلك منهم، قد أقيم على كل عمل من يستقل به، وأعدّ ما يحتاج إليه على دوام الأوقات، بحيث لا يحتاج معه إلى تجديد أمر عند طروقهم، وصاحب المنزل من البشاشة والإقبال والمساواة لأضيافه، بحيث يعلم كل من شاهده سروره بذلك وسماحته، ولم أر مثل هذا ولم أسمع به «11» فى شىء من بلدان الإسلام لرعيّة، ومع ذلك فإنك لا تجد فى بلدان الإسلام أهل الثروة إلا والغالب على أكثرهم صرف نفقاتهم، إلى خاصّ أنفسهم