فإن قيل: الحديث الثّاني يقضي على الأوّل، وهو حديث (?) أبي سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "غُسْلُ يومِ الجُمُعَةِ وَاجِب على كلّ مُحْتَلِمٍ" (?) وحديث ثالث، قوله: "حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أنّ يغتسلَ في كلِّ أسبوعٍ يومًا (?).

الجواب - قلنا: هذه الألفاظ غَرَّرَت بقَوْمٍ من الجُهَّال أنّ قالوا بقولكم أنّ غُسْلَ يوم الجمعة فريضةٌ بظاهر هذه الأحاديثِ، وليس كذلك، إنّما هو سُنّة مؤكَّدة. قال أشهب: قلت لمالكٍ: غُسلُ يوم الجمعة واجب؟. قال: ليس كلّ ما جاء في الحديث يكون هكذا.

وهو كلام مُجْمَلٌ بديعٌ على عادة السَّلَف، إذ كانوا يجملون في الأقوال ولا يبسطونها (?). والدّليل على سقوطه أربعة أوجه:

الوجه الأوّل: قال شيخُنا الفهريُّ، قال: قال لنا قاضي القضاة الدّامغانيُّ (?)، قال: حدّثنا (?) أبو الحسين" (?)، رئيس (?) الحنفيّة في وقته، قال: قولُ النَّبيِّ عليه السّلام: "غُسْلُ يومِ الجمعةِ واجبٌ" يعني: ساقطًا، يحتمل أنّ يسقط بسقوط الفرائض، ويحتمل أنّ يسقط بسقوط السُّنن، فلا يكون له في الحديث متعلّق.

الوجه الثّاني: رَوَى النَّسائي (?)، وأبو داود (?)، عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه قال: "من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015