وصِفَته (?). ثمّ كان النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بمكّة على تَقِيَّهَ من الكفّار، ولم تكن صلاتُه وصلاةُ أصحابه بمكّة إلَّا اختلاسًا، حتّى كانتِ الهجرةُ، ونزلَ بدار النّصرة، وتألّفت بالإِسلام الكلمة، والْتأَمَت على الصّلاةِ الجماعة، فلو تكلَّفَ كلّ أحد أنّ يترصَّد الوقت، مع ما هم فيه من التخوُّف وينتابهم من الأشغال (?)، لشقَّ عليهم ذلك. فتشاوَرُوا كيف يكون الاجتماع؟ فاختلفت في ذلك الرِّوايات اختلافًا كثيرًا، لو سردناها لطال المقال، ووقعَ المَلاَل. وأحاديثُه كثيرةٌ، لُبَابُها حديثان:
الحديث الأوّل: ثبت في الصّحيح؛ أنّ النّاس تشاوروا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ليربطوا الصّلاة بوعدٍ يجتمعون إليه. فقال عمر: ألَّا تبعثون مناديًا يُنَادي بالصّلاة؟ فقال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "يا بِلَال، قُمْ فنَادِ بالصَّلاة" (?).
الحديث الثّاني: ثبت أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - أراد أنّ يتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ أو ناقوسًا يتعلّمون به وقت الصّلاة، فبينما عبد الله بن زيد نائمًا، إذ رأى بيدِ رَجُلٍ ناقوسًا، فقال: إنّ هذا لنحو ممّا يريد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فقال للّذي رآه بيده: أتبيعُه؟ فقال له: وما تريده؟ فأعلَمَهُ بالغَرَضِ، فقال له: أَوَلاَ أدلُّكَ على خيرٍ من ذلك. قال: وما هو؟ قال: تنادون للصّلاة، وألقى عليه الأذان، فلمّا أصبحَ جاء عبد الله بن زيد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فذكَرَ ذلك له، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "يا بلال، قُم فَنَادِ بالصَّلاَةِ" (?).
وفي بعض طرق هذا الحديث؛ أنّ عمر لمّا سمع النّداء خرجَ فزعًا يجرُّ إزَارَهُ، فقال: يا رسول الله، لقد رأيت مثل الّذي رأى عبد الله بن زيد فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الحمدُ للهِ" (?).
وبينَ هذين الحديثننِ من التَّعارضُ ما تَرَوْنَ.