إفضالُه، ومدحته الشّعراء، وعلى بلده سور أنشأه من ماله".
ورغم وجازة هذه الفقرة؛ فإنّها لا تخلو من إشارات عميقة الدّلالة:
أولاها: تحديثُه ببغداد بيسير، أي أنّ الكتب الّتي حدَّث بها قليلة، والّذي يَعنينا لا القِلّة والكثرة، ولكن أنه باشر التّحديث، وتحلَّق حوله طلبة العلم يستفيدون من روايته، وربما أعجله الرّحيل من أن يُطيل المكث ببغدادة فحال بينه وبين التّوسع في الرّواية.
الثانية: أنّه سجّل اسمه في كتاب من أمهات كئب التاريخ والطبقات، مصنّفا في فنون من العلم: الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والأدب، والنحو، والتواريخ.
الثالثة: أنّ ابن النّجار يسوقُ ترجمة ابن العربيّ تسجيلًا لمفاخر المدرسة البغدادية الّتي تخرَّجُ النابهين الّذين يتقلَّدون الناصب العَليَّة، ويتولون سلطة القرار في بلدانهم عندما يعودون، مُزوَّدِين بما اكتسبوه من معارف وقطفوه من ثمار مجالس الدّرس على يد شيوخ بغداد، وذلك ما عناه بقوله: "واتّسعَ حالُه، وكَثُرَ إفضاله، ومدَحَته الشّعراء"، وهل أدلّ على النجاح من اتِّساع الحال، وهل أبلغ في المكانة الرفيعة من تَمَدُّحِ الشّعراء.
الرابعة: أن يتفطّن أبو عبد الله بن النّجار إلى قصّة سور إشبيلية، ويسوقها في مناقب أبي بكر ابن العربيّ وأفضاله، عبَّرَ عن ذلك بقوله: "وعلى بلده سور أنشأه من ماله"، وقد تداولت كُتُب التّاريخ قصّة إصلاح أسوار إشبيلية وترميمها مقرونة بما يُشْبه تعسُّف أبي بكر ابن العربيّ الّذي فرض على النّاس،