تنبيه على مقصد:
فإن قيل: فما الحكمةُ في أنّ الحسنات يُذهِبْنَ السَّيِّئات، ولا يذهبن السيئات الحسنات؟
الجواب- قيل: لأنّ النُّور يتعدَّى والظُّلمة لا تتعدَّى، والطَّاعة نورٌ والمعصية ظلمةٌ.
حديث مالكٌ (?)، عن زَيد بن أَسْلَم، عن عطاء بن يَسَارٍ، عن عبد الله الصُّنَابِحِىِّ؛ أنَّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضَّأَ العبدُ المؤمنُ، فتمَضْمَضَ، خرجتِ الخطايا مِنْ فِيهِ، وإذا استنثَر، خرجتِ الخطايا من أَنْفِهِ، فإذا غَسلَ وَجههُ خرجتِ الخطايا من وَجهِهِ ... " الحديث.
فيه فصلان:
قال التّرمذيُّ (?): "سألتُ البخاريّ عن هذا الحديث فقال لي: وَهِمَ فيه مالك - رحمه الله - في قوله: عبد الله الصُّنابحىّ، وإنّما هو أبو عبد الله الصُّنابحىّ، واسمه عبد الرحمن بن عُسَيْلَة، ولم يسمع من النّبيِّ صلّى الله عليه شيئًا، والحديث مُرْسَلٌ".
قال أبو عمر (?): "وهو كمال قال البخاريّ" (?).
استدلَّ بعضُ العلماء بحديث الصُّنابحىّ هذا أنّه لا يجوز الوضوء بالماء المستعمل، وقال: خروجُ الخطايا مع الماء يُوجِبُ التَّنَزُّه عنه، وسماه بعضهم ماءَ الذّنوب.
قال الإمام الحافظ: وهذا لا وَجْهَ له عندي؛ لأنّ الذّنوب لا أشخاص لها عندي تمازج الماء فتفسده، وإنّما معنى قوله: "خرجتِ الخطايا مع الماءِ" فهو إعلامٌ بأن الوضوء للصلاة عَمَلٌ يكفِّر الله به السَّيِّئات عن عباده المؤمنين رحمةً منه.