وفي حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أنّه قال: "كُلُوهُ، وَمَق أَكَلَهُ فَلاَ يَقرَب المسجدَ" (?) فيه دليلٌ على إباحةِ أكلِها, لا على تحريمِها كما زَعَمَ ابن حزم (?) وأهلُ الظّاهرِ الذين يُوجِبُونَ إتيانَ المسجد للجماعة ويرونَ ذلك فَرضًا، ويمنعون من أكل الثُّوم والبصلِ؛ لأنّ من أَكَلَهُ لا يقرب المسجد لصلاة الجماعةِ عندَهُم بوجهٍ ولا على حالٍ.
الفائدة الرابعة (?):
في هذا الحديث دليلٌ على أنّ صلاة الجماعةَ ليست بفريضةٍ، خلافًا لأهل الظّاهر الّذين يُوجِبُونَها، ويحرِّمون أكلَ الثُّومِ من أجلِ شهودِها، وقد أكلَ الثُّومَ جماعةٌ من السَّلَفِ (?).
فإن قيل (?): لا يَمتَنِعُ أنّ يُسقِطَ المباحُ الفَرْضَ، كالسَّفَرِ يُسْقِطُ الصّومَ وشَطرَ الصّلاةِ.
الجوابُ- قلنا: السَّفَرُ لم يُسقِطُ الصّومَ والصّلاةَ، وإنّما نَقلَها إلى بَدَلٍ، بخلافِ أكل الثُّوم فإنَّه يُسقِطُ الجماعةَ، فدلَّ على أنّها ليست بفَرْضٍ.
الفائدة الخامسة (?):
فيه دليلٌ على أنّ الْخُضَر كانت عندَهُم بالمدينةِ. وفي إجماعِ أهلِهَا على أنّه لا زكاةَ فيها، دليلٌ على أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - لم يأخذ منها الزّكاة، ولو أخذَها لم يَخفَ عليهم، ولنُقِلَ ذلك عنهم.