قلنا: الآيةُ والمعجزةُ إنَّما كانت في إحياء الميِّت، فلمَّا صار حيًّا كان كلامُهُ كسائرِ الكلام من الآدميِّين كلِّهم في القَبُولِ والرَدِّ، وهذا من دقيقِ العِلْمِ، فتأمّلُوه إنَّ شاء الله.

فإن قيل: إنّما قَتَلَهُ مُوسَى بالآية.

قلنا: ليس في القرآن أنّه إذا أخبرَ وجبَ صدقُهُ، فلعلّه أمرهُم بالقَسَامة معه، أو صدَّقَه جبريل فقتلَهُ موسى بعِلمِهِ، كما قتل النَّبيُّ -عليه السّلام- الحارثَ بن سُوَيد بالمجذَّر ابن زيادٍ بإخبار جبريل له، وهي مسألة خلافٍ كبرى.

واستبعدَ ذلكَ البخاريُّ والشّافعىُّ (?) وجماعة من العلّماءِ، وقالوا: كيف يُقْبَلُ قولُ الميِّت في الدِّم وهو لا يُقْبَلُ في دِرْهَمٍ، وإنَّما تستحقّ بالقَسامَةِ الدِّيَة.

قال الإمامُ: والحقُّ أنّ السُّنَّةَ هي الّتي تقضي وتَرُدُّ الاعتراضَ عليها.

وأيضًا؛ فإن قولَهُ: "لا يُقْبَلُ في دِرْهَم" قد قلتم: إنَّ قتيلَ المَحِلَّة يُقْسِمُ فيه على الدِّيَة، وليس هنالك قولٌ لأحدٍ، وإنّما هي حالٌ محتملةٌ للباطلِ، إذ يجوزُ أنّ يقتلَهُ رجلٌ ويجعله عند آخر، بل هذا هو الغالبُ من أفعالهِم.

ولهذا خالفَ مالك أبا حنيفةَ (?)، والثّوريّ، وجماعةً من أهل الكوفة (?)؛ لأنّهم قالوا: المُوجِبُ للقَسَامَةِ في قصَّة عبد الله، أنّه وُجِدَ مقتولًا بخَيبَر، ومَن وُجِد قتيلًا بمَحِلَّةِ قومٍ وبه جُرحٌ فهو لَوثٌ.

فقال مالك (?): "لا يُوجِبُ ذلك قَوَدًا ولا دِيَةً ولا قَسامَةً، ولو كان ذلك وشاءَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015