بخبر الواحدِ لإجماعٍ من الأُمّةِ. وأمّا إنَّ كانت الأُمَّةُ أجمعت على معناه، فالنّسخ بالإجماع محالٌ؛ لأنّه لا يصحّ تصوّره إِلَّا بعد عدم الشّريعة الواردة ببيَان الأحكام على التّنصيص في المقال خاصّة.
فإن قيل: إجماع الأُمّة لا يكون إِلَّا عن حديث سمعوه من النّبيِّ عليه السّلام، فإذا أجمعوا عَلِمْنا ضرورةَ وجودِ الأثر.
قلنا:. هذا مذهب محمّد بن جرير الطّبريّ، وهو ساقطٌ قطعًا، فإنّ الأُمَّة قد تُجْمِعُ على النّظر كما تُجْمِع على الأثر، وقد بيَنّا ذلك في "أصول الفقه".
ومنهم من قال: إنّما سقطت الوصيّةُ للوالدين والأقربين، لقوله في الحديث الصّحيح: "أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الفَرَائِضَ فَهُوَ لِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ" (?).
قلنا: كما لم يُسْقِط هذا الحديث أصلَ الوصيَّة في آية المواريث، لا يُسقط وصفَ الوصيَّة للأقربين. وإنّما معنى هذا الحديث المخصوص، فما بقي بعد الوصيَّة والدَّيْن كيفما تصرّفت وجوه الوصيَّة، وكيفما تصرّفت وجوه الدَّيْن، وقد رَوَى جابر بن عبد الله أنّه قال: جاءني رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يعودُني فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ فأنزل الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (?). رواه البخاريّ (?). وثبت في الصّحيح أيضًا من طريق آخر أنّها نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (?). وروى المصنَّفون والمُسْنِدُون عن جابر بن عبد الله أنّه خرج مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى الأسواف، وذكر حديثًا طويلًا، منه؛ أنّ امرأة سَعْد بن الرّبيع جاءت بابنتين لها، فقالت: يا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -؛ إِنَّ سَعْدًا