عليه فهم مراد المؤلِّف وتَعَسَّرَ، فكان يكرِّرُ قراءة النَّصِّ مرّات ومرّات، يقلِّبُ النَّظَر في متن الطبعتين "ابن باديس والطالبي" وبخاصّة في هامش الثانية الّذي أخلَصَه صاحبها لِذِكْرِ فروق النُّسَخ وبعض التعليقات، وكان يقف السّاعات الطّوَال أمام لفظة أو جملة، يقتدح لها زناد الرَّأي، ويقلِّبُ وجوه النَّظَر، ثمّ يقف حائرًا وقد استعجمتْ عليه دَلالات الألفاظ، وتنَكَّرت له معاني الحروف، فكان هذا يُحْزِنُه وَيشُقُّ علَيَّ، فيلتجئ إلى أستاذه البارّ العَطُوف سَيِّد أحمد صقر يستعين به -بعد الله سبحانه وتعالي- في ما التبس عليه من وجه الصّواب، فيرشِدُه -رحمةُ الله عليه- إلى معالِمِ الطريق، ويدلُّه على مَقْطَع الحقِّ وفَصْل الخطاب، فجزاه الله خير الجزاء عما قدّم له ولجيله كلّه من توجيه ورعاية وإرشاد، وجعل كلّ ذلك في موازينه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرِ مُحضَرا.
وهكذا كان هذا الكتاب خير مِرَانٍ لصاحبنا على التَّمَرُّس بكُنْهِ المخطوطات والتعلُّق بإرثنا المخطوط، وزَيُّنت له حِدَّةُ الشباب وعنفوانه آنذاك، تصوير نسخة من "المسالك في شرح موطأ مالك" لابن العربي من المكتبة الوطنية بالجزائر، قصْدّ قراءتها وضَبطِها ونشرِها، وعَرَضَها على أستاذه سيد أحمد صقر، يستنصحه الرأي والمشورة، فصرفه عن نيته وثناه عن مراده، وأشار عليه بالتَّأنِّي والتَّريُّث، وتَلَمُّس الأسباب من مظانِّها، وعلى رأس المطالب التي طلبها الأستاذ سيد: وجوب التَّضلُّع من مجمل العلوم العربية والشرعية التي ينبغي أن يتحلّى به المتصدِّي لقراءة وتصحيح كتب التراث، واستفراغ الوسع في جلب نُسَخِ الكتاب أينما وُجِدت في مكتبات العالم، كما حث صاحبنا على إشراك شقيقته عائشة في إخراج الكتاب، مع ضرورة التمهل وعدم