الأصول (?):
قوله: "لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ" وليس هذا من شروط الإيمان الأصلّيّةِ، وإنّما هو من الكمال والتّمام، ومن الأفعال الّتي شُرِعَت لتقوية العقيدة، فإذا عرضَ أمرٌ فيه رِفقٌ لِجَاركَ ومنفعةٌ، أو لرفيقِكَ في السَّفَرِ، أو لمُسلمٍ يَرِدُ عليك، ليس عليك من ذلك ضَرَرٌ.
واختلف قولُ مالك هل يَلزَمُهُ أنّ يفعَلَهُ أم لا؟ واختلف العلماء كاختلافه، والذي أراه وجوبُ ذلك؛ لأنّ منعَهُ إيَّاهُ ممّا ينتفِعُ به إضرارٌ به، والنَّبي -عليه السّلام- قد قال: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" وقد أجمعتِ الأُمَّةُ على صحةِ هذا الحديث، وإن كانوا قد اختلفوا في معناه.
الفقه في مسائل:
المسألة الأولى (?):
قوله: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ" قال علماؤنا: قد يدخلُ في هذا الحديثِ وجوهٌ من الضّرَرِ، مثل ما يُحدثُه الرَّجُل في عَرصَتِهِ من بناء حمّامٍ، أو فُرن، أو دُخَّانٍ، أو كِيرٍ لعَمَلِ الحديد، أو رَحًى، وهو ممّا يضرُّ بالجيران.
وغبارُ (?) الأنادِرِ ونَتْنُ دِبَاغِ الدَّبَّاغِينَ، فذلك من الضَّرَرِ، والحُكمُ فيه أنّ يقالَ لأهله: احتالوا في الدّخان والغُبارِ ونَتنِ الدَّبَّاغِينَ؛ لأنّه يضرُّ بمَنْ جاوَرَهُ، وإلَّا فاقطعوه. وسواء كان ذلك قديمًا أو محدثًا؛ لأنّ الضَّرَرَ لا يُستحَقُّ بالقِدَمِ (?).