الدّارَقُطنىُّ وأبو بكر البغدادي (?) جُزءَينِ عظيمين، خَرَّجا فيهما هذا الحديث عن بضعة عشر من الصّحابة بأسانيدَ كثيرة، وقد رَوَى مسلمٌ (?) والأيِمّةُ (?) أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- "قَضَي باليّمِينِ معَ الشَّاهِدِ الْواحِدِ" وخرَّجَ التّرمذيّ (?): "يَمِينٌ وشاهِدٌ" وخَرَّجَ الدّارقطني (?) عن عليّ (?) أنّ رَجُلًا خاصَمَ عبد الله في حَقٍّ، فأَنكَرَ الزُّبَيْر، فَسأَلَ النّبيُّ -عليه السّلام- الزُّبَيْرَ البَيِّنَة عَلَى ما ادَّعاهُ، فَقالَ لَهُ: عِندِي في ذلِكَ سَمُرَة نجن جُندُب وَرجُلٌ آخَر، فَأَمَّا سَمُرَة فَلَم يَشهَد، وَأَما ذَلِكَ الرَّجُل الآخر فَشَهِدَ، فَحَلَّفَ النّبيُّ الزُّبَيرَ وأَثبَت حَقهُ.
الطريقة الثّالثة: وهي مَعنَوِيَّةٌ
قال علماؤنا: قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: "لَو أُعطِيَ النَّاسُ بِدَعوَاهُم لادَّعَى قومٌ دِماءَ قومٍ وَأموالَهم، وَلكِنّ البَيِّنَة عَلَى مَنِ ادَّعَى واليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ" (?) والحكمةُ في ذلك بَيِّنَةٌ، فإنّ قولَ المتداعيين قد تعارضا وتَسَاوَيَا، وليس قبُول أحدِهما أَوْلَى من قبُولِ الآخر، فشرعَ اللهُ التَّرجيحَ، ولهذا قال علماؤنا: لا يكونُ الشّاهدُ واليمينُ إلّا في الأموال وما جَرَى مجراها؛ لأنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- إنّما قَضَى به فيها، ولم يَقوَ القوّةَ الّتي تُراقُ بها الدِّماءُ وتقامُ بها الحدودُ؛ فإنّ هذه معانٍ تسقُطُ بالشُّبهةِ، والشُّبهةُ بالشَّاهدِ واليمين قائمةٌ، فاقتُصِرَ بها على مَورِدِهَا وهي الأموال.